خالد بن حمد المالك
على امتداد التاريخ، ومنذ اللقاء الأشهر الذي أسَّس للعلاقات السعودية - الأمريكية، وجمع بين الملك عبد العزيز والرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت، لم تشهد العلاقات الثنائية فتوراً أو تراجعاً كما كان ذلك واضحاً في فترة الرئيس الأمريكي السابق أوباما، إِذْ إن الرؤساء الآخرين جميعاً حافظوا على هذه العلاقة، وتمسكوا بها، ودرجوا على الالتزام بسياستها وتطويرها إلى مستويات أفضل من رئيس إلى آخر.
* *
غير أن تعاطف الرئيس أوباما مع إيران، واستسلامه لمطالبها، وتفهُّمه بالتأييد لطروحاتها وطموحاتها، فقد كان ذلك يقابَل من المملكة بتعامل اتسم بالمحافظة على مضمون التاريخ المشترك للعلاقات بين الدولتين، أعني أنه تميز بالفهم، والاستيعاب، وتبادل المصالح، والعودة إلى تحكيم العقل كلما كانت هناك وجهات نظر مختلفة، رغم أن ما قدمته الإدارة الأمريكية السابقة لإيران كان قد أضر بمصالح دولتنا والشقيقات دول مجلس التعاون الخليجي.
* *
وهاهو الرئيس الأمريكي الجديد السيد ترامب وفي سابقة تاريخية شجاعة يعيد الأمور إلى مسارها الصحيح، ويعلن بصوت جهوري قوي عن أن المملكة ستكون أول محطة له كرئيس للولايات المتحدة في أول جولة له هذا الشهر تشمل بعد المملكة إسرائيل وإيطاليا، بعد أن أمضى الشهور الماضية منذ انتخابه رئيساً لبلاده في توجيه رسائل حازمة وقوية وصارمة لإيران، متوعداً بأقصى العقوبات إذا ما استمرت في سياستها الحالية، وبخاصة ما يخص عدم التزامها بما تعهدت به بالنسبة لبرنامجها النووي.
* *
ولابد أن نتذكر ونحن نتحدث عن الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي إلى الرياض تلك الزيارة التاريخية لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لواشنطن، واجتماعه بالرئيس ترامب، وما تركته تلك الزيارة من أثر وتأثير على العلاقات الثنائية بين بلدينا، وتفهُّمٍ لدى الرئيس لسياسة المملكة وملكها الملك سلمان بن عبد العزيز، ونجاح هذا الأمير الشاب بأن وضع رئيس أكبر دولة في العالم في أجواء التحديات التي تواجهها المملكة، وضرورة أن تكون زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة في أقرب فرصة، لما للمملكة من مكانة لدى العرب والمسلمين من جهة، وقدرة الرياض على حشد القادة العرب والمسلمين في عاصمة المملكة للتباحث مع الرئيس على ما يعزز الأمن والاستقرار في العالم من جهة أخرى.
* *
وأمريكا التي تحترم الدول التي تحارب الإرهاب وعلى رأسها المملكة، وتبدي تعاوناً غير محدود بالتنسيق مع دول العالم لبناء مظلة آمنة لشعوب العالم، هي ذاتها الدولة التي أعلن رئيسها من البيت الأبيض أن زيارته للمملكة سوف تؤسس لمرحلة جديدة في محاربة الإرهاب، وأنه ليس من مهمة أمريكا أن تملي على الآخرين طريقة الحياة التي يجب أن يسلكوها، وإنما الهدف من الزيارة بناء ائتلاف من الأصدقاء والشركاء الذين يتقاسمون هدف مكافحة الإرهاب، وتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
* *
ولأن المملكة تحترم المواثيق، ولا تتخلى عن التزاماتها، وهي شريك مهم لا غنى عنها في محاربة الإرهاب، فقد وصف الرئيس الأمريكي زيارته المملكة بالإعلان التاريخي العظيم، بل وأعطى للرياض الأولوية قبل زياراته القادمة لحلفاء أمريكا سواء إسرائيل أو بريطانيا أو فرنسا أو غيرها، وفي هذا إشارات مهمة، ودلالات لها أكثر من معنى، ويشكل سابقة لا يغيب فهمها على المتابعين والمحللين، خاصة أن المملكة هي من يقود العالم الإسلامي والعربي، وهي من يتمتع بعلاقات متميزة مع الدول الإسلامية، وعلى مستوى دول العالم.
* *
ومن الطبيعي أن زيارة الرئيس الأمريكي للرياض، كونها أول زيارة للرئيس دونالد ترامب إلى الخارج، وما ستنتهي إليه من نتائج، سوف تقترن بزيارة الأمير محمد بن سلمان، وبالتوجيه السديد الذي وجَّه به خادم الحرمين الشريفين سمو الأمير، إِذْ بدون هذه الزيارة، وتفهُّم الرئيس الأمريكي ما نقله له وتحدث به ولي ولي العهد، ما كان للرئيس أن يأخذ هذا الموقف على حساب دول صديقة كانت تنتظر زيارته، وأن يتفاعل مع دعوة خادم الحرمين الشريفين لزيارة المملكة بهذه السرعة ووفق الترتيب الذي اتفق فيه مع سمو الأمير، الأمر الذي يجعلنا نرحب بحرارة بزيارة الرئيس ترامب، ونثمن له هذه الخطوة المباركة، ونثق جيداً بأنها ستكون نقلة نوعية وجديدة وتاريخية في العلاقات السعودية - الأمريكية.
* *
ومن المؤكد أن الرئيس ترامب قد أمضى شهوراً للتعرف على المواقف المشبوهة لإيران، بما في ذلك تدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وتمويلها للإرهاب، ما جعل من عدم الاستقرار - ليس في منطقتنا وإنما على مستوى دول العالم - يتنامى وينتشر ويتوسع، وكل هذا بسبب الدور الذي تلعبه إيران أمام صمت دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بفترة الرئيس الأمريكي السابق أوباما، الذي خانته تقديراته، ولم يوفق باجتهاداته، الأمر الذي نتوقع أن تكون أحد محاور الزيارة هي إيران ودعمها للتطرف والعنف والإرهاب.