د. محمد عبدالله العوين
تحدث سمو ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان حديثا شفافا جريئا شاملا برؤية واثقة متكئة على معرفة عميقة بتطور الأحداث السياسية في المنطقة وما شابها من تصعيد وتوتر بعد قيام ثورة الخميني المشؤومة 1979 وقدم تصورا واضحا لنهضة المملكة خلال سبعة عشر عاما قادمة بحلول عام 2030م وأطلق وعدا بأن المملكة ستحقق في نهاية الخطة عدم الاعتماد على البترول مصدرا وحيدا للدخل أو شبه وحيد.
وأطلق الأمير وعودا متفائلة بحل أزمة الإسكان، وبالقضاء على الفساد وأنه لن ينجو من المحاسبة صغير أو كبير أمير أو وزير حين تكون الدلائل قطعية ثابتة على فساده.
ولست هنا في صدد مناقشة وتحليل خطة النهضة التي بشر بها الأمير محمد؛ فربما تتاح فرصة قادمة لكشف ما يمكن تحقيقه من تلك الوعود الجميلة المتفائلة التي أرى أن ثمة تقاربا بين تجربة النهضة السعودية حسب وعودها إلى عام 2030م وتجربة النهضة اليابانية على يد مؤسسها الذي عرف بـ»الحاكم المستنير» الإمبراطور موتسو هيتو أو «الميجي» عام 1868م الذي أعلن ثورة شاملة على النظام الإمبراطوري الدكتاتوري المنغلق القديم وأعلن ثورة إصلاحية شاملة شعارها «بلد غني وجيش قوي» وبدأ بإرسال البعوث إلى أوروبا وترجمة عيون الفكر الأوربي إلى اللغة اليابانية واستقدام آلاف المعلمين من أوروبا وغيرها للإسهام في بناء النهضة اليابانية.
وإن كانت معجزة النهضة اليابانية بدأت قبل مائة عام تقريبا من إعلان الحرب الأمريكية المدمرة على اليابان 1945م وتدمير ثلاث مدن كبرى تدميرا كاملا بالقنابل الذرية واستسلام اليابان للهيمنة الأمريكية؛ فإن عبقرية الشخصية اليابانية تكمن في القدرة على تجاوز التدمير والخراب والموت والتحول بفكر جديد إلى مواصلة ما بدأته في نهضتها قبل مائة عام على يد مؤسس اليابان الحديثة الميجي.
ونحن نملك من الثروات والكفاءات ما يساعدنا على أن نفيد من التجارب الإنسانية في النهضة؛ ولكن وفق رؤية جديدة تنسجم مع تطورات العالم وانفتاحه وعدم وجود مكان لمن يعتقد أنه سيعيش منعزلا.
أعود إلى محاولة الإجابة على رؤية الأمير أو خطته في نقل المعركة إلى قلب إيران.
لست هنا جازما بكل فكرة أدونها تجيب على تساؤل عنوان هذه المقالة؛ بيد أنني أطرح احتمالات كثيرة يمكن أن تقع، ومن المعلوم أن السياسي الحاذق الحصيف لا يفصح عن كل أفكاره، ويدع العدو يتخبط خوفا وفرقا في أية ناحية من إيران يمكن أن تشتعل ثورة إسقاط النظام.
ومن شروط النصر في أية معركة مع العدو ألا نكون مدافعين، وأن تدور رحى المعركة في قلب ديار العدو، لا في المناطق التي يهيمن عليها عن طريق الأتباع والعملاء الطائفيين الخونة في العراق وسوريا واليمن فحسب، وكما أشغلنا نظام ولاية الفقيه الكهنوتي بإشعال الثورات والخراب في نطاق طموحاته التوسعية؛ فإن من الحكمة التي لمح لها الأمير محمد أن تنتقل مؤامرة تخريب الوطن العربي إلى خطة واعية شجاعة لنقل التدمير الذي لحق بديار العرب إلى داخل إيران؛ بحيث تنشغل بمقاومة الحركات الثورية من الشعب الإيراني الفارسي نفسه ومن الشعوب الأخرى المضطهدة التي يسومها النظام الكهنوتي سوء العذاب.
لن تدخل إيران معنا حربا مكشوفة، ولن تجرأ على ذلك؛ لأنها تعلم أنه لن يبقى في الخارطة الجغرافية أي أثر لدولة اسمها إيران، وكما تشغلنا بعملائها وأتباعها وخونة العرب الطائفيين المارقين الأغبياء؛ فإن المعاملة يجب أن تكون بالمثل فنشغلها نحن بثورات الشعوب المضطهدة داخل إيران وبالتواقين إلى الحرية من الشعب الفارسي المظلوم بمدهم بالسلاح والأموال ووضع خطة لثوراتهم، كما تفعل إيران تماما في العراق وسوريا واليمن والبحرين والقطيف.
إن هذه العصابة الكهنوتية خارجة عن سياق العصر ولا يمكن التعايش أو الحوار معها، وقد قال الأمير «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» ولن ينعم العالم بالسلام إلا بزوالها من الوجود.