د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
من عاصفة الحزم إلى خلوة العزم يحرص البلدان المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات على وضع خريطة طريق طويل لهما على المدى الطويل يرأس وفد المملكة ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان ومن دولة الإمارات الشيخ منصور بن زايد يمهد لمرحلة جديدة لتطوير منظومة التعاون بين البلدين.
ناقش البلدان تسعة موضوعات رئيسة ضمن ثلاثة محاور وقطاعات حيوية وهي المحور الاقتصادي والمحور المعرفي والمحور السياسي والعسكري والأمني، شارك فيها 150 مسؤولاً حكومياً في المملكة والإمارات إضافة إلى ممثلي القطاع الخاص.
التعاون والتكامل بين المملكة والإمارات لتدعيم مسيرة مجلس التعاون الخليجي، والقيادة في البلدين تسعى لجعلها استثنائية ونموذجية خصوصاً أن لدى البلدين فرصاً كبيرة ما يمكنها من إطلاق مبادرات وتطوير سياسات تخدم التعاون المشترك والانتقال بمسيرة التنمية والتعاون بين البلدين إلى مرحلة جديدة من النمو والتطور.
أدركت السعودية ودولة الإمارات أن الرؤية لا تكفي ولابد من تخطيط ومن خلالها يمكن معرفة وتوقع المستقبل والاستعداد له، والتنفيذ يجب أن يواكب الرؤية والتخطيط، ودونه فلا فائدة منها، لذلك ترى أن المرحلة بحاجة إلى وجود قيادة تعمل في الأوقات الحرجة، والدول لا تقاس بإمكاناتها، وإنما تقاس بطريقة الإدارة الحكيمة لمواردها البشرية والمالية.
السعودية تقود دول مجلس التعاون الذي له أثر على الأمة العربية وهي تريد أن تحقق في الأربع السنوات القادمة ما حققه المجلس في العقود الأربعة الماضية، بعد التقرير المفجع الصادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار بأن حركة رؤوس الأموال والاستثمارات في المنطقة العربية تأثرت سلباً حيث تراجع صافي الحساب الرأسمالي المجمع لموازين مدفوعات الدول العربية بحدة من 4646 مليار دولار عام 2013 إلى 603 مليارات دولار في عام 2015، مما فرض على دول المجلس بقيادة السعودية التي تدرك أننا نعيش سوقاً عالمية مشتركة، إذ إن الانفتاح الاقتصادي والتجاري حقيقة واقعة، فخلوة العزم هي أمام فرصة لتشكيل رؤية موحدة حول اتجاهات المستقبل وأي شكل يراد له أن يكون عليه ليس فقط دول مجلس التعاون الخليجي بل والعالم العربي، لوقف العجز الذي يعاني منه العالم العربي الذي وصل إلى 200 مليار دولار في موازنات الدول العربية عام 2017، فيما يصل عجز الحساب الجاري نحو 104 مليارات دولار، حيث بلغ الناتج الإجمالي المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي 1.398 تريليون دولار عام 2015 فيما وصل في العالم العربي إلى 2.429 تريليون دولار للعام نفسه منخفضاً من 2.727 تريليون دولار عام 2014.
يبلغ ناتج السعودية ودولة الإمارات نحو 73 في المائة من ناتج إجمالي دول مجلس التعاون الخليجي ونحو 41 من إجمالي الناتج العربي لعام 2015، واحتل تكتل دول مجلس التعاون الترتيب 11 بين أكبر اقتصادات في العالم، الولايات المتحدة، بنحو 17.9 تريليون دولار، الصين بنحو 10.9 تريليون دولار، اليابان بنحو 4.1 تريليون دولار، ألمانيا بنحو 3.4 تريليون دولار، بريطانيا بنحو 2.8 تريليون دولار، فرنسا بنحو 2.4 تريليون دولار، الهند بنحو 2.1 تريليون دولار، إيطاليا بنحو 1.8 تريليون دولار، البرازيل بنحو 1.8 تريليون دولار، كندا بنحو 1.6 تريليون دولار، دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 1.4 تريليون دولار.
لا يعقل أن تتقدم دول مثل إيطاليا وكندا على دول مجلس التعاون بإمكاناتها الضخمة واحتياطياتها من البترول حيث لا تصل تجارتها البينية سوى 50.8 مليار دولار تعادل 26 في المائة من صادراتها للعالم، أي لا تزيد صناعاتها السلعية المحلية عن 200 مليار دولار فيما هي تستورد نحو 464 مليار دولار، أي أكثر من ضعفي إنتاجها السلعي وأغلبه إنتاجها المحلي هي صناعات أساسية وليست صناعات نهائية.
خلوة العزم تقود توحيد السياسات الاقتصادية الخليجية مدخل لتنشيط حركة التجارة البينية وتسهيل إقامة المشروعات المشتركة، ولم يعد التكتل مسألة خيارية بل هي مسألة مصيرية، حيث تنتظر أمانة المجلس إنهاء دول أعضاء مجلس التعاون الخليجي إجراءات السوق المشتركة والاتحاد الجمركي المشترك خلال هذا العام تمهيداً لاستكمال مشروع العملة الخليجية الموحدة تنفيذاً لرؤية الملك سلمان التي طرحها في القمة الخليجية الأخيرة، فقد جرى التفاهم مع الأمانة العامة لمجلس التعاون لتوقيع مذكرة تفاهم وتعاون لضمان استقلالية المجلس النقدي الخليجي بعد 15 عاماً منذ إقرار الملف في ديسمبر 2001 في العاصمة العمانية مسقط.
خلوة العزم بين البلدين ترى أنه يجب أن تستبق أي تحرك خارجي بتحقيق التكامل الخليجي وتسريع التكامل خصوصاً أن السعودية ترأس اجتماع تطوير منظومة العمل العربي المشترك، وقيام الملك سلمان بزيارة عمل لآسيا وتوقيع جملة من الاتفاقيات مع الصين واليابان وإندونيسيا وكذلك مع دول في الغرب مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وهو ما يستدعي جاهزية دول مجلس التعاون في التعامل مع الواقع الجديد عبر إقامة شراكات عالمية.