الثقافة - محمد هليل الرويلي:
بين شعوره بالاغتراب والخواء الروحي الذي لا يجد له مبررًا ومسوغًا مقنعًا، بعد أن أصاب العالم العربي وضربه، بين أضلاعه المتكسرة وقلبه الذي يحتاج لعملية إنعاش عاجلة سوى نفاذ كتاب الشيخ عائض القرني! يسير الأعرج واسيني بخطى متثاقلة، لكنها عصية على الزيف والمخادعة.. رسوخيتها تراتيل مقدسة من صحائف كتب سماوية، يبحث عن ملاذ آمن للنفس البشرية، مستكنها الإيمان الراسخ، ومستقرها السلام الحقيقي البعيد عن بطش الجبابرة ودكاترة هذا الزمان. قال ذات إهداء: أنحني أمام صمتك وآلامك.. إن النور الذي في عينيك لن ينطفئ أبدًا. أهدى أوجاعه للأسير الفلسطيني نائل البرغوثي الذي أمضى أكثر من 34 عامًا في سجون الاحتلال علَّنا نتذكر بيت المقدس والمناضلين الثائرين في وجه العدوان الصهيوني, رسالة مفادها (الإسهام في أنسنة الإنسان) للكتاب والروائيين العرب مريرة الحرف علقمية المعنى، هو هكذا حس الإنسان وضمير العالم، وإن كانت عدة دنانير ودريهمات، لكننا منها نسمع جلجات الآهات والعذابات لمن هم خلف قضبان السجن!
«بنات الرياض»
* النساء جريئات في الخليج بالحرف رغم قطونهن في مجتمعات محافظة، بيد افتشلت محاولاتهن في القفز بالرواية الخليجية نحو المرئية اللامحلية.. هل ثمة أسباب بنيوية ذات تضاريس وعرة قد مورست في تشكيل هذا التخريط الذهني للعقل الجمعي الذي أوعز لهذا الحرف بالتأسير؟ وكيف لهن الانعتاق والبحث عن مدينة كنزهن.. الحرف الناقص ليكن أكثر سحرًا وإثارة؟ وأخيرًا هل لك بأن تدلي لنا بأهم الأسماء البارزة عندنا؟
- هناك بعض الأسماء الجيدة والمهمة في الرواية السعودية، سواء الشبانية أو الرواية المترسخة. في المجال النسائي نجد زينب حفني ونجد رجاء عالم، كما أن هناك موجة كبيرة من الروائيات الشابات على رأسهن رجاء الصانع التي انضمت أيضًا إلى القافلة الروائية، وننتظر منها الكثير غير رواية «بنات الرياض» التي كانت تجربة أولى. أنا متأكد أن هناك تجربة قادمة لها. التقيتها مؤخراً في جائزة كتارا، وتعرفت عليها عن قرب، وكنت قد كتبت عنها عندما أصبحت روايتها نصًا متداولًا ونصًا كثر الحديث حوله من الناحية النقدية. هؤلاء النسوة وغيرهن يحملن - كما أعتقد - «سمات التجديد»، وحتى سمات الانتشار والمقروئية. المشكل الوحيد في مثل هذا المجال هو المؤسسة الإعلامية. على المؤسسة الإعلامية، سواء في السعودية أو في كل البلدان العربية، أن تقفز في اتجاه آخر، وألا تبقى رهينة المحلي واليومي، وأن ترى المسألة في بُعدها الثقافي الأوسع, وأن تعمل على الدفع بهذه الأسماء، ليس فقط إلى المحلية ولكن أيضًا إلى المجال العربي، وربما العالمي، من خلال الترجمات، ومن خلال الملتقيات، ومن خلال الأسابيع الثقافية التي تعقد هنا وهناك عبر العالم للتعريف بهذه النصوص ونشرها أيضًا؛ لنصل بالنص إلى فضاءات أكبر وأوسع لتجاوز الدائرة الضيقة.
* سافرت للقاهرة لتسمع للشيخ عائض القرني ليمنحك ما لا تعرفه في منجزه الكبير (لا تحزن)، ووصفته بالحكمة العظيمة التي قليلًا ما نجدها عند إنسان مثله؟ واسيني لماذا عائض بالذات قد اقتطعت له مساحة استطيانية في رواية مملكة الفراشة في سرد كان من الممكن الاستغناء عنه؟ هل ثمة خاصية تعجب القرني عن مجايليه وأترابه وتفرقه عنهم؟ أم هو استدعاء تطلبته عارضات الصدف، وزجت بعملته أمام ناظريك؟
(لا تحزن) مادة عادية والقرني استفاد من الخواء الروحي
- لا، لا يوجد شيء يمكن أن نستغني عنه في رواية «مملكة الفراشة». كل رواية ولها سلسلة من المبررات، عندما تستدعي شخصيات تاريخية أو شخصيات دينية أو شخصيات ثقافية أو شخصيات عامة. والشيخ عائض القرني هو جزء من هذه الشخصيات العامة التي لا تقع فوق النقد. هي جزء من التفكير العام؛ وبالتالي ما دامت هي جزءًا من هذه الحلقة التفكيرية فهي قابلة لتُنشأ حولها آراء نقدية أو تصور. قد نتفق أو نختلف معه. المشكلة ليست في الاتفاق أو الاختلاف، ولكنه حتى هو لم تكن القصدية منه هي المقصد الأساسي، لكن كيف يتحول إلى مادة للقراءة؟ مثلًا كتابه «لا تحزن» وزع منه تقريبًا في ذلك الوقت عندما اشتريته المليون نسخة، واستمر بعد ذلك في التوزيع، وأخذه الناس كثيرًا. أنا أيضًا أخذته وقرأته، وفوجئت بأن المادة الموجودة فيه مادة اعتيادية، ولا يوجد فيها ما يثير كل هذا الاهتمام وهذا الركض إلى آخره؟! هي مادة بمكن لأي إنسان أن يقرأها أو يجدها. والسؤال الأساسي ليس في عائض القرني. عائض كتب كتابه وانسحب مثلنا جميعًا نكتب وننسحب، وتبقى مسألة القراءة. إذًا هذا الذهاب الكثيف نحو هذا الكتاب له مبرر. وهذا المبرر قد يكون مبررًا ثقافيًّا، وقد يكون أيضًا سببه الخواء الروحي والبحث عن أي شي يملأ هذا الخواء الروحي.. إذًا هذه الحالة خصوصًا في رواية تتناول هذا الخواء العام الموجود في المجتمع، وتستأنس الكاتب في سلسلة من الرؤى. أنا لا أعتقد أنه زائد في نص الرواية.. بالعكس، جزئية مهمة تؤكد وجود الظواهر التي تناولتها مملكة الفراشة.
«محيي الدين ابن عربي» أعطانا كل وسائل الحكمة وتصور الحياة
* دروب مقدسة وطاقة اقتفى أثرها واحد من أشهر الروائيين في العالم «باولو كويلو». علمت الناس طاقات من فضاءات الصبر والحكمة والتسامح والتسامي والصفح ومد اليد للحياة، وكل البشر متعايشون مع أقدارهم ألم يفكر واسيني يومًا أن يكون أحدًا آخر، أو أن يبدأ رحلة مقدسة نقتفي أثر رسالته فيها؟
_ سأقولها بصراحة: أنا بدأت هذه الحكمة من خلال الثقافة العربية الصوفية التي منحتني الكثير من السلام مع النفس. شيخنا الأكبر «محيي الدين ابن عربي» أعطانا كل وسائل الحكمة ووسائل تصور الحياة بشكل آخر للخروج من دائرة الضيق القاسية. أنا تعلمت الحكمة من هؤلاء.. تعلمت الحكمة من الثقافة الإنسانية بكل اتساعها من (سيرفانتيس، ماركيز، ماركس ...... إلى ابن المقفع إلى الحلاج). هؤلاء الكتاب وهؤلاء المبدعون منحوني فرصة تأمل حياتهم بشكل أعمق وأكثر.
أقرأ لباولو كويلو لكني لا أجد جديدًا.. ومساحته الباطنية أنا دخلتها
ولهذا أنا اليوم عندما أقرأ لـ (باولو كويلو) بصراحة لا أجد جديدًا, ربما هو اختار الجانب الذاتي الداخلي، وخرج عن الحياة المادية التي كان يعيش فيها في السابق، وحاول أن يدخل هذه المساحة الباطنية الموجودة في الإنسان. هذه المساحة الباطنية أنا دخلتها، وعندما كتبت روايتي «سيرة المنتهى/ عشتها كما اشتهتني» تحدثت عن هذا المسار الصوفي في الإنسان. هي سيرة ذاتية، ولكنها أيضًا عبارة عن رحلة حياتية، ينتقل فيها الإنسان من اللحظة الوجودية الأولى أو نقطة البدء كما يسميها الشيخ ابن عربي (الهلام الأول). ثم تتنقل هذه اللحظة، وتتكون وتدخل في الناموس التكويني كما يذكر ابن عربي، وتدور حول نفسها, ثم تحاول أن تجد انعتاقًا لها, بعدها تبدأ بعملية التشكل إلى أن يصير لها شكل, ثم بعد ذلك يصير لها عقل, ثم إن هذا العقل يصبح مضنيًا ومتعبًا لتبحث عن خلاصها في هذا النوع من الثقافة، أي ثقافة العزلة وثقافة الصوفية وثقافة السلام، أي العودة إلى النفس بمنظور آخر غير مصلحي وغير مادي وغير حسابي. هذا كله ذكرته في الرواية, الحياة أيضًا.. والكتابات التي نقرؤها بما فيها كتابات «باولو كويلو» تمنحنا هذه الفرصة التأملية، ولكن المخرج في النهاية هو ما نصنعه نحن بأنفسنا. هذا المسار اختاره «باولو كويلو» وأوصله إلى هذا النوع، وهو مزيج بين ما هو داخلي وديني وكنسي ومسيحي ...... إلخ. لكن نحن أيضًا لنا حيوات يمكن أن تقودنا إلى نمط آخر، قد يكون مقاربًا لما وصل إليه «باولو كويلو»، وقد يكون مختلفًا تمامًا.
كل كتبي يعود ريعها لمرضى السرطان
* ساهمت بريع الطبعة الفلسطينية لروايتك الأخيرة (سيرة المنتهى عشتها كما اشتهتني) لصالح المعتقلين الفلسطينيين في سجون الكيان الصهيوني.. هل هذه رسالة من مثقف عربي؟ وإلى أي مدى يستطيع هذا المثقف الوقوف بجانب قضيتنا المصيرية (فلسطين)؟
_ كل كتبي في الطبعة اللبنانية يعود ريعها لمرضى السرطان. طبعاً قد يكون هذا الريع لا يحل المشكلات الكبرى للأطفال مرضى السرطان، لكن من الناحية الرمزية هذا مهم جدًّا. فقط لأقول بأنه يستطيع المثقف من منجزه الروائي - إذا الله فتح عليه وأعطى فرصًا لنصوصه أن توزَّع وتُقرأ وتُباع... إلخ - أن يسهم ولو بقسط بسيط في هذا الجانب؛ لأن الإسهام هو جزء من أنسنة الإنسان. أيضًا أنت تعيش في مجتمع إنساني، وهذا المجتمع الإنساني عليك أن تتقاسم فيه مع الناس كل ما يشغلك وكل ما يمكن أن تكون فيه بشكل إيجابي. إذًا، الريع إذا ذهب نحو الأطفال مرضى السرطان فهو من هذا الموقع، ونفس الشيء بالنسبة للحركة الثقافية في السجون أو في المتعقلات الإسرائيلية بالنسبة للمثقفين وللصحافيين وللإعلاميين وللأدباء تحديدًا الموجودين داخل هذه السجون.. كيف يمكنك أنت أن تساهم وتقول للآخرين الذين هم في السجن بأنك معهم، بأن صوتهم قد وصل إليك؟ لهذا عندما يذهب هذا الريع نحوهم هي مسألة رمزية أكثر منها حلول مالية كبيرة, لكن لا بأس، ربما تحل بعض المشكلات. لقد أسهم هذا الريع حتى اليوم في طباعة قرابة عشرة كتب لهؤلاء الكتاب الموجودين بالمعتقلات, تقوم بها هذه الهيئة المشرفة على طباعة الكتاب المعتقلين في السجون الإسرائيلية (سجون الاحتلال). أعتقد أنه أمر مهم، وربما يساهم ولو بشكل جزئي في حل مشكلة المخطوطات كما تحدثت مع عائلة «خندقجي» - الله يرحمه - (الأب) الذي توفي قبل فترة قريبة، وهو الرجل الذي تبنى هذا المشروع. مخطوطات كثيرة بين يدي هذه الهيئة، فكيف يمكن للكتاب العرب الذين على الأقل يبيعون بقدر معين أن يسهموا في هذه العملية من ناحية رمزية؟ والناحية الرمزية فعليًا هي مهمة، ويمكنها أن تساهم.
نجيب محفوظ أعماله تجارية
* سيتم تحويل روايتك «مملكة الفراشة» الفائزة بأفضل رواية عربية في مسابقة كتارا للرواية العربية لعمل درامي.. ألا تخشى أن يسقط النص المشاهد بعين المشاهِد، وتعيد تجربة بنت بلدك أحلام مستغانمي التي اعترفت بفشل عملها التلفزيوني «ذاكرة الجسد» في الوقت الذي كانت تحصد نجاحات متوالية لو ظل العمل حبيس السطر؟
- سؤالك صحيح. إن أي عمل يحوَّل سينمائيًا فيه هذه المخاطرة، مخاطرة التسطيح. أنت عندك وجهات نظر وتصوُّر، وكتبت عن شخصيات مليئة بالحياة، ثم يأتي مخرج أو ممثل أو منتج ويسطح العمل، ويحوله إلى عمل بسيط، وربما إلى عمل مسطح. طبعًا المخاطرة موجودة، والمصيبة أن المخاطرة لست أنت من يتحكم فيها، يتحكم فيها الذي ينتج الفيلم، أي الذي يضع مالًا من أجل إنتاج هذا الفيلم. وهذه مشكلة كبيرة، تمس السينما العربية والسينما العالمية. نجيب محفوظ حولت الكثير من رواياته إلى أعمال تجارية؛ ليدخلها الجمهور في الصالات والقاعات، ويدفع مالًا، ويجب أن يمس العمل هذا الجمهور ليدخل لمشاهدته. بدون ذلك لا يمكن من الناحية المادية أن يجد الفيلم مجاله في التوزيع ومن المشاهدة. هذه مشكلة موضوعية موجودة أيضًا, لكن أنا أثق في كتارا أن الخيارات بحثت على الأقل من ناحية الإخراج فتختار المخرج الجيد، ومن ناحية السيناريو تختار «السينارست» الجيد، وهم على كل حال انتهوا من كل المسائل التقنية, انتهوا من السيناريو، وانتهوا أيضًا من قلق إيجاد الممثلين الجيدين, حتى المعالجة الدرامية انتهوا منها. هذا آخر حديث دار بيني وبين المسؤول عن كتارا. بقي الآن أن يبدؤوا في تصوير الفيلم، وأعتقد أنه قريبًا سيتم البدء. التخوف وارد، لكن الثقة في الجهة التي استلمت الموضوع موجودة. أتمنى أن يكون الفيلم ناجحًا, نجاحه من مصلحة كتارا وفي مصلحة الكاتب ومصلحة الجمهور الذي قرأ الرواية، ويريد أن يرى هذه الرواية مجسدة على الشاشة.
لسنا من سكان المريخ.. و»مجتمع الرواية» ينشأ داخل النص وليس خارجه
* في إطار الواقع دائمًا قرأتُ مقولة للناقد الألماني فولغانغ آيزر، جاء فيها: «ليس الغرض من الواقع المُمَثَّل في النص هو تمثيل الواقع بل جَعْلُهُ مُؤَشِّرًا على شيء ليس هو ذلك الواقع نفسه، رغم أن وظيفته هي جعْل ذلك الشيء قابلاً للإدراك». ما هو الشيء الذي يريد الروائي الأعرج تسليط الضوء عليه باعتماده الواقع كمرجع في أغلب رواياته؟
- الناقد فولغانغ آيزر ناقد مهم جدًّا من المدرسة الألمانية كونستانس. اشتغل كثيراً بمسألة القراءة. الأمر هنا يتعلق بموضوع القراءة. طبعًا نحن نكتب عن مجتمع، وهذا المجتمع يدخل إلى النص، ويتحول إلى مجتمع مرجعي، لكن هو نص أدبي، ويتلقاه القارئ من منظور كونه نصًّا قد يحيل جزئيًّا إلى المجتمع، لكن هذا النص لا يحيل إلا لنفسه في النهاية والواقع الاجتماعي. أنا أتعامل مع الواقع الاجتماعي، والواقع الاجتماعي يشكِّل بالنسبة لي مسألة في غاية الأهمية، ولا يمكن أن أنشئ نصًّا في الفراغ. نحن لسنا من سكان المريخ، ولكننا من سكان هذه الأرض، وكل ما يحدث في الأرض من أحزان وآلام وحروب وزلازل ورياح وعواصف وحب وخير وشر يهمنا كثيرًا؛ لأننا نحن أيضًا داخل هذه الدوامة, نتجاذب ونتقاطب وننفر أيضًا. إذًا الكتابة لا يمكنها أن تعيش خارج هذا التجاذب والتقاطب، لكنها تظل مساحة واسعة، مساحة متفردة، مساحة لها خصوصية تميزها، ولا يمكن أن يتحول الجانب المجتمعي المادي دومًا إلى مرجعها الأساسي ذلك؛ لأن فولغانغ آيزر عندما يتعامل مع النص بوصفه مساحة لغوية ومساحة أدبية تنتظر قارئًا يتلقاها، ويعيد تركيبها وإنشاءها وفق مقتضيات ثقافته ومستواه. هو لم يكن مخطئًا؛ لأن القارئ يتعامل مع كيانات لغوية وليس مع أسمنت وأحجار وهندسة... إلخ. باستثناء الهندسة الروائية طبعًا التي يتجلى بها النص، ولكنه لا يرى بنايات ضخمة، ولا يرى شوارع بالمعنى المادي، لكنه يرى اللغة، يلمسها، يتعامل معها، يتحسسها، يشعر بأنه داخل هذه اللغة شيء يهمه هو كقارئ، وينسجم معه، ويعيد تركيبه.
القراءة هي وسيلة لامتلاك الفضاء, لامتلاك المادة الأدبية. كل قارئ عندما يقرأ رواية هو يقرؤها بشكل خاص، وبشكل متفرد، وبمحمول يملكه كل قارئ على حدة؛ ولهذا لو سألنا القُراء الذين قرؤوا رواياتي أو روايات غيري عن المعاني المتبقية في أعماقهم ستجد ردود فعل مختلفة تمامًا من قارئ لقارئ - لنفس الرواية - وهذا طبيعي؛ لأنه كما يقول «فولغانغ آيزرWolfgang Iser» كل قراءة هي امتلاك للنص, وامتلاك النص هو امتلاك للمجتمع الافتراضي وامتلاك لفكر من العلاقات التي اشتغل عليها الكاتب في نصه, امتلاك أيضًا للشخصيات ولأهوائها ولشجونها ولهمومها. إذًا القارئ ليس منفصلاً، والمجتمع الذي نتحدث عنه يمكن أن نسميه كما سماه «كلود دوشي Claude Duchet»، وهو واحد من الباحثين الأدبيين، يسميه «مجتمع الرواية»، أي المجتمع الذي ينشأ داخل النص وليس خارجه.