د. سلطان سعد القحطاني
تحدثنا في الحلقة السابقة عن معنويات سلمان الشهري، وأنه من النوع الذي قهر الظلام،كما قيل عن طه حسين عميد الأدب العربي الذي لم تمنعه إعاقته البصرية عن شق طريقه وتعلم اللغة الفرنسية، وتبوأ أعلى المناصب في الدولة، وغيره الكثير في العالم، من مخترعين ومفكرين وأدباء وباحثين في زمن لم تكن الوسيلة العلمية قد أخضعت لخدمة هذا النوع من البشر، مثل طريقة برايل في القراءة وغيرها، سمعية وحسية. وإذا كانت الإعاقة (إعاقة البصيرة، وليست إعاقة البصر) كما يؤكد ذلك الباحثون في هذه الشؤون، فمن الأدلة على ذلك ما وجدناه عند كثير من فاقدي البصر، وبعض الأطراف أو السمع، ومع ذلك، فإني أعرف قريبة لنا -رحمها الله-كانت تبيع وتشتري، بل كانوا يستشيرونها في بعض الأمور لحكمتها، ولم يوجد في بيتها خادمة، وتجد بيتها من أنظف البيوت وأرتبها، لم تمنعها الإعاقة البصرية من فعل ما لم يستطع بعض المبصرات فعله، وكأن قول الشاعر بشار بن برد ينطبق عليها وعلى أمثالها من أصحاب الإعاقة التي سميت بهذا الاسم جوازاً وليس حقيقة. والإعاقة -من وجهة نظري- هي إعاقة العقل وعدم استغلال المواهب الربانية والكسل والبلادة، يقول بشار:
وعيرني الأعداء والعيب فيهم
فليس بعيب أن يقال: ضرير
إذا أبصر المرء المروءة والتقى
فإن عمى العينين ليس يضير
رأيت العمى أجراً وذخراً وعصمةً
وإني إلى تلك الثلاث فقير
يؤكد سلمان الشهري في كتابه كثيراً من الحقائق التي تحدثنا عنها، على أن الإعاقة ليست في البدن، فيقول: إن هناك الملايين غيري يعيشون إعاقتهم في هذا العالم الفسيح، بل إن هناك أناسا -وإن لم يكن لديهم إعاقة- فإننا نستطيع أن نطلق عليهم معاقين، لأن وجودهم كعدمهم، يأكلون ويشربون ويعيشون كالبهائم، بل إن من البهائم ما يستفاد من لحومها وأوبارها وأشعارها وألبانها، أما أولئك فلا فائدة منهم».
ويضرب سلمان الشهري الأمثال بعلماء المسلمين الذين ملأوا الدنيا بالعلوم وسطروا أروع إنجازات في التاريخ العالمي، فضلاً عن العربي والإسلامي في زمن الازدهار العلمي للدولة العربية الإسلامية، مثل: الترمذي فقيه السنة وعلوم الحديث، وكان ضريراً، وعطاء بن أبي رباح، الفقيه العالم مصابا بالعرج، وفاقداً لإحدى عينيه في الصغر، وابن سيده الحجة في اللغة. فهناك الكثير من العلماء ممن يسمون أصحاب العاهات، وما أظن أن أصحاب العاهات إلا من سواهم، وليس هم.
وقد ثبت في الدراسات النفسية والعلمية أن أصحاب العاهات عندهم الصبر والجلد أكثر من غيرهم، حتى ضرب بهم المثل (كل ذي عاهة جبار)، وذلك ما يسمى في علم النفس بالتعويض، وهناك من أصحاب العاهات من خلد التاريخ إنجازاتهم، مثل هوميروس صاحب الإلياذة، وغيره، ممن لا يتسع الوقت لذكرهم. ولو تقصينا لطال بنا الحديث، ولكن في نهاية هذه المقالة نشد على يد سلمان الشهري وأمثاله ونطلب منهم المزيد ليقيننا أنهم على ذلك قادرون -بعون الله تعالى- لتقديم الدعم المعنوي لزملائهم في سبيل التقدم العلمي والفكري، ومناقشة الكثير من القضايا من خلال الإعلام -لغة العصر- كما يفعل سلمان الشهري في برنامجه الإذاعي الرائع من إذاعة الرياض. فإلى الأمام أيها العاملون، فقد أمرنا الله -تعالى- في قوله: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} التوبة، 105.