محمد عبد الرزاق القشعمي
وفي العدد الحادي عشر من (الإيمان) الصادر بشهر يناير 1954م تنشر ضمن زاوية (من الصحف العربية) خبراً منقولاً عن اليقظة في عددها 1777: «بحث سلمان الصفواني في (اليقظة) البغدادية قضية الاتحاد العربي فقال: إنَّ هذا الاتحاد، لم يبق مجرد فكرة تبشر بها المنظمات القومية الشعبية، وإنما تعداها إلى الحكومات وإلى ملوك العرب ورؤسائهم، والاتحاد قبل ذلك ضرورة قومية تمليها مصلحة العرب العليا، وظروفهم الحالية على الأخص، بعد أن قامت دولة (العصابات اليهودية) في قلب الوطن العربي حاجزاً بين جناحي هذا الوطن في آسية وأفريقية.. إلخ».
ونشرت في العدد ذاته نص محاضرة الصفواني التي ألقاها في الحفلة التي افتتح بها نادي البعث العربي موسمه الثقافي بقاعة نادي الاتحاد النسائي العراقي في الوزيرية ببغداد مساء الخميس 24 /12 /1953م تحت عنوان: (الفراغ العربي) افتتحها بقوله: «.. ما زالت تقرع سمعي بشدة جملة وردت في إحدى رسائل اليهود لي، وذلك في عام 1949م، في هذه الرسالة وهي الوحيدة التي ناقشوني فيها مناقشة موضوعية، قالوا لي: (علام تجهد نفسك في إثارة قضية فلسطين والقضايا العربية الأخرى! إن الوطن العربي عبارة عن فراغ هائل، إن لم يملأه أهله ملأه غيرهم ممن هم أجدر من العرب بالحياة). لقد وقفت عند هذه العبارة طويلاً وكررت قراءتها كثيراً: (الوطن العربي فراغ هائل إن لم يملأه أهله ملأه الآخرون)، ومع أني ناقشت الآراء الواردة في تلك الرسالة على صفحات اليقظة إلا أني أعترف لكم الآن بأن ذلك النقاش لا يغير من الحقيقة شيئاً، هذه الحقيقة المرعبة التي هزت كياني، هي التي دعتني إلى القيام بجولات، لا جولة واحدة في الأقطار العربية، وذلك لأستجلي بنفسي الفراغ العربي الهائل المهدد بالاجتياح.. » وناقش الفراغ الجغرافي والفراغ المادي والفراغ الروحي.. وقال: «.. هذا الفراغ الروحي هو الذي مكن للأفكار والعقائد المختلفة أن تغزو الأدمغة العربية، فتمسخها مسخاً مشيناً، كما مكن الفراغ المادي لقوى الاستعمار المتعددة أن تثبت أقدامها في الوطن العربي على النحو الذي تعرفونه. وقد تعاون الفراغان المادي والروحي على جعل العرب فريسة للقوى المحتلة والأفكار الدخلية، وما من خطر عام الأمة كخطر الفراغ الروحي الذي بدت آثاره في الظهور واضحة بعد الحرب العالمية الثانية بصورة خاصة.. » إلى أن قال: «..وقد رأيتم كيف أن دول الاستعمار قد ملأت جوانب كثيرة من الفراغ المادي في الوطن العربي مما لا يحتاج إلى بيان. ولقد كنا نعلل النفس بتحرير وطننا وتوحيد أمتنا بما نملك من قوى روحية عظيمة، غير أن الأحداث الجسام التي ابتلي العرب بها في السنوات الأخيرة، وخاصة نكبة فلسطين، قد برهنت - بما لا شك فيه - على أننا أمام فراغ روحي مخيف يهدد العرب بأشد الأخطار، هذا الفراغ الروحي أتاح للشعوبية والصهيونية أن تنفث سمومها بين العرب أنفسهم..»، واختتم محاضرته بقوله: «.. لقد أصبحنا – نحن العرب – هدفاً لكل طامع، ومن حق أعدائنا الكثيرين أن يطمعوا فينا؛ لأنهم يرون أمامهم فراغين هائلين: فراغاً في الأروفراغاً في الفكر، وها نحن نشهد مصارع فريق من مواطنينا بين أيدي غزاة الفكر كما شاهدنا من قبل مصارع غيرهم أمام غزاة الأرض، وفي هذا البلاء المزدوج امتحان لقوتنا على الكفاح، والصبر على الشدائد، والصمود أمام الغزاة، وفيه اختبار لمدى إيماننا بالمثل العليا، وهي قوام الرسالة العربية التي ساهمت بأوفى نصيب في بناء الحضارة البشرية.
إن القوميين العرب، هنا وفي كل بلد عربي، مدعوون للقيام بدور إيجابي منظم في أداء الرسالة العربية على الوجه الصحيح.. نعم إنكم مدعوون لملء الفراغ العربي الهائل المهدد بالاجتياح قبل أن يملأه غيركم، وذلك يستدعي منكم جهداً غير جهدكم الحالي. وإذا صدق العزم وضح السبيل.. والسلام عليكم».
وواصلت بعد ذلك مجلة (الإيمان) نقل الأخبار التي تنشرها (اليقظة) فهاهي الإيمان تنشر في عددها 13 في شهر مارس 1954م ما نشرته اليقظه في عددها 1841 من مراسلها في مراكش عن لجنة تحرير المغرب العربي ومحاولة الفرنسيين تمكين السلطان المزعوم (ابن عرفة) بعد نفيهم للملك محمد الخامس.
وفي العدد 14 نجدها تنشر ما ورد في عدد اليقظة 1853م، نص مقال للصفواني عنوانه: (بين خطرين) قائلاً بما معناه إن دويلة العصابات اليهودية كلما قامت بعدوان أو تحفزت للعدوان على البلاد العربية، قام الشعوبيون والمخدوعون بهم بخلق الأراجيف وأحداث القلق في البلاد العربية. وذلك لصرف الأنظار عما يقوم به اليهود من عدوان وإجرام! أفيكون ذلك مصادفة أم أنه خطة مدبرة يقوم بها الشعوبيون رتلاً خامساً يعمل في قلب الوطن العربي لحساب اليهود بأساليب مختلفة وأسماء متفرقة؟! .. إلخ، وفي العدد 1851م يكتب الصفواني يقول: اليهود يستعدون.. اليهود يحتشدون.. اليهود يتحفزون.. اليهود يعتدون.. اليهود يقتلون ويسلبون!.. اليهود يحتلون!..
يقابل ذلك.. العرب يصرخون.. العرب يبكون.. العرب يتظلمون.. العرب يجتمعون ويتذاكرون وبالتالي: العرب يحتجون!.. ثم ماذا وراء هذا؟.. لقد مللنا تكرار هذه الأنباء والأقوال، وقد كرهنا الاستماع إليها وحتى التعليق عليها. لقد أوحت دويلاتنا السبع إلينا – متعمدة – الشعور بالضعف والخوف. أوحت إلينا بالجبن والذل والخنوع، حتى خشينا أن تنقلب الآية، فيصبح العرب هم الذين (كتبت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله)!.
وفي العدد 1874م من اليقظة يختتم مقاله عن عدوان الصهيونية وتخاذل العرب قائلاً: «.. نعم اخجلوا أيها المسؤولون، فقد اشمَتُّم بنا أعداءنا – أطمعتم أذل المخلوقات فينا، وسودتم تاريخنا، ولطختم شرفنا بالعار والشنار».
ونختتم هذا بما أورده السيد علي العوامي في كتابه (رجال عاصرتهم) عن الصفواني إذ اختتم حديثه عنه بقوله: «.. ولقد خدم بلده الذي أحبه (العراق)، وأمته (العربية) التي ضحى في سبيلها، وتحمل المشاق والمصاعب والمتاعب من أجلها، ورغم إقامته الطويلة في العراق، واندماجه في مجتمعها كفرد من أبنائها، ومشاركته الفعالة في سياستها ومشاكلها فإن كل ذلك لم ينسه بلده التي ولد فيها، وشهدت طفولته، وبواكير صباه، فقد كان يحن إلى زيارتها، ولكن الظروف لم تسمح له بزيارتها إلا في أواخر عمره، ولقد التقيته في مجلس العزاء في وفاة شقيقه المرحوم حسين بن صالح آل إبرهيم – عمدة صفوى – في مدينة صفوى في شهر يناير عام 1981م، صفر 1401هـ وقد أنهكته السنون، رحم الله سلمان الصفواني وجزاه عن أعماله وكفاحه أحسن الجزاء»..