فيصل أكرم
(1)
غادرتُ مكةَ، للبحارِ، وكنتُ طفلاً
لم أعِ الأشياءَ بعدُ
وأوّلُ الأشياءِ صادفني: اغترابٌ
ثم برقٌ، ثم إظلامٌ طويلٌ، ثم رعدُ
تعبتُ أسقطُ بين جدرانٍ من القضبانِ
أبحثُ عن بساطٍ لا يكفُّ عن التمزّقِ
كلّما قاربتُ.. يبتعدُ
فرحلتُ من تلكَ البلادِ إلى بلادْ
أدركتُ في طرقاتها أنَّ الرمادْ
إن كنتُ جمراً، سوف يمنحني بعزّ البردِ
أعشاشاً لغربانٍ تدفئني، إذا ما الشمسُ تحمرُّ
اسوداداً في اسودادْ
وكأنه الوعدُ.
وكأنَّ بستاناً من الأشواكِ يمتدُّ احتفالاً حيثما أمشي
ولا وردُ.
(2)
في مصرَ كنتُ أسيرَ حزنٍ يستبدُّ
مع الأغانيّ التي رقصتْ على دمعِ الكلامْ
في مصرَ كِدتُ، وربما..
من دون نزع الروح مِتُّ؛
تبلّلتْ بالموتِ أشرعتي فطرتُ
إلى هواء الشامْ
في الشامِ كنتُ، ولم أكن
إلا الجريحَ.. فلا بليلٍ أستريحُ
ولا أنامْ
وإذا النهارُ يدورُ بي
فكأنني
أجتازُ جسراً للعبورِ من الحطامِ إلى حطامْ.
(3)
لا، لم أكن أشتاقُ
جئتُ
بغير أمنيةٍ
ولم أطلب لموجٍ طافحٍ في القلبِ
مرسى
إنما
قد هدّني الإشفاقُ
من نفسي
على أمسي
لديها
ثم إني سوف أرحلُ
دونَ ذاكرةٍ
ولن أرتاحَ
لكني
سأنسى.
(4)
ورجعتُ في قلبِ الرياضِ
أسائلُ الأشجارَ: هل كُتبتْ على أوراقها
في آخر الأعمارِ، باسمي، أو بأسماء الذين أحبُّ طلَّتهم.. قصيدةْ؟
فأجابني نخلُ البلادِ: نعمْ، ولكنْ
لم تكن لُغةً تجلّلها التصاويرُ الجديدة!
يا من إلى بعضِ القديمِ رددتني
ورددتَ للأطلالِ كلَّ ظِلالها: أطلقْ يديَّ إلى هناكَ
أعدْ لخطوتيَ المشاويرَ البعيدةْ
فأنا أسافرُ كي أسافرَ من سَفَرْ
وأنا أعودُ بغير عيدٍ كي أعايدَ من هجرتُ ومن هَجَرْ
وأنا أعاندُ، كلّما أدركتُ أنَّ حياتنا
فعلاً عنيدةْ
فارفق بعمركَ، وانتظرْ
لا.. ليس مني،
لا شيءَ يُنظرُ من غريبٍ يُحتضَرْ
فلقد تبددتِ الغيومُ، ولم يعد فيها احتمالٌ للمطَرْ
قلتُ: انتظرْ منهمْ، ومن كلّ الذين خسرتهمْ
شِعراً تشكّله النهاياتُ التعيسةُ، حينَ تغمرُها البداياتُ السعيدةْ
فلكلّ ذاكرةٍ تموتُ
مكانها.. تأتي مخيّلةٌ وليدةْ.