من أدبيات المجتمع العربي وعرفه السرمدي وفي مجتمعنا خاصة أن يحظى ابن العم دائماً بابنة عمه فهو أولى من الغريب كما يقال وإن لم يكن هناك أي نسبة تجانس تذكر بينهما فكرياً كان أو ثقافياً أو علمياً فالعرق هنا حسّاس وليس دسّاس ! وإن لم يكن كذلك فالجميع يكن في حرب لا هوادة فيها على المرأة وأبيها ومقاطعة قد تظل إلى آخر العمر فهي مسألة اجتماعية تراثية عند أهل المدر والوبر وهي أقرب إلى الجاهلية منها إلى الإسلام بل قد يعضلها وهو ما يسّمى ( بالحيار ) فلا تتزوج من آخر حتى تدركها العنوسة ثم الموت وهو أهون عندهم من أن تلحق بغير ابن عمها وقد يعيّر القوم بهذا وتكون سبّة تتبعهم إلى قبورهم ولذلك كانوا في جاهليتهم وإسلامهم إذا انتشر خبر أحدهم بحب فتاة وشبب بها وقال عنها يسارعون إلى ابن عم لها في تزويجه حتى ولو دنف المحب من حبها وبلغ الهلاك ليقطعوا دابر المتربصين وكل حديث يمسّ العائلة والقبيلة بسوء ويكذّبون كل أفّاك أثيم ! وإن اعتقها ابن عمها وقَبل بغيرها برضى تام تبقى حزازات النفوس كما هيا عند الوالدين مع هدوء العاصفة وتفرّق الجميع وبذلك تكون القسمة والنصيب ليس لهما نصيب في هذه ! فالخنساء بنت عمرو بن الشريد رفضت سيد هوازن وفارسها ذائع الصيت وصاحب الصمصامه دريد بن الصمّة حين تقدم لخطبتها لأجل أن تُزوج من ابن عمها المتلاف رواحة السُلمي وقالت : ماكنتُ تاركة ابن عمي !، وهذا خيارها لأن الأمر كان بيدها فحظوة ابن العم قد تكون من العروس نفسها أيضاً شيمةً وأصالة إن كان ليس لها طمعاً في جاه أو مال ! بل هي التي ظلت تحوطه وتعطيه ويتلف ما بين يديه حتى هجرته فما كان من دريد إلا أن هجاها من أجل ذلك ! بعد أن تغزل بها وعشقها وقد كان يقول:
أخناس قد هام الفؤاد بكم
وأصابه تبلٌ من الحبِ
وكثيرات هن اللاتي زُوجن من أبناء عمومتهن بسبب أن طار ذكرهن فحرمن ممن يحببن فعشن أجساداً دون روح وعقلاً بلا قلب وحياة دون سعادة ! وطار صيتهن بالأفاق وخلدهن التاريخ ومع ذلك مازالت ليلى العامرية وليلى الأخيلية تعيش معنا دون أن يكون هناك حب يُذكر أو حبيب يتغزل وإنما الحجز المبكر لابن العم فرض عليهن الإقامة الجبرية حتى وإن علمت الأسرة من أخلاقه السيئة وموبقاته البغيضة الشيء الذي لا يطاق لأنه السند بعد الله والعُزوّة هكذا يرون ! ولأنّ الحب يأتي آخراً كما في أبجديات المجتمع التقليدي وهذا الحب لا بد أن يحكمه سلوك وأخلاق وتضحية حتى تظن من بدّلت ابن عمها بآخر أنها قد أخطأت التقدير والاختيار على عدم زواجها منه حتى وإن كان ذا جاه ومال ! كما فعلت ميسون بنت بحدل الكلبية زوجة معاوية ابن أبي سفيان حين لم يرق لها عيش القصور والرفاهية ورحلة الخدم والحشم وكونها زوجة الخليفة الذي يملك المشرق والمغرب فضجرت من عيشها الهنيء وتمنت أن تكون في الصحراء مع شويهاتها وسط خيمتها وأن يكون ابن عمها على هواجته وضعفه زوجها بدل الخليفة فقالت:
وخرقٌ من بني عمي نحيفٌ
أحبُّ إليّ من علجٍ عليفِ
فقال معاوية: جعلتني علجاً.. ! فطلقها..!
- زياد السبيت