لقد ارتبط وعي الشاعر العربي في عصر ما قبل الإسلام بوعي القبيلة, وهو وعي فطري, وقد تناول الشاعر في تلك الحقبة من الزمن الموضوعات الاجتماعية مما له صلة بواقعه, ويمسّ حياته بصورة مباشرة.
ومع بداية العهد الإسلامي, وما تبعه من فتوحات أدت إلى احتكاك العرب بغيرهم من الشعوب الأخرى, ارتسمت معالم للمجتمع العربي بدأت تتعّقد مع وصول الأمويين إلى السلطة, ثم كان العصر العباسي الذي تشعبّت فيه الفرق بصورة أكثر مما كانت عليه في عهد بني أمية, وقد أصبح التأثر بالأجنبي الداخل إلى الكيان العربي أكثر وضوحاً, وقد ظهرت مواقف اجتماعية كثيرة للشعراء, كشفوا فيها عن أحاسيسهم نحو الشقاء الإنساني, وقد تبدّت تلك المشاعر على شكل شكاوى تبث إلى الخلفاء والأمراء سواءٌ ما كان منها بقصد المديح, أم ما كان بقصد التنبيه والتحذير ومن ذلك ما بعث به الراعي النميري للخليفة عبد الملك بن مروان يصف فيها ظلم الحياة:
إنَّ السعاة عصوك حين بعثتهم
وأتوا دواهي لو علمت وغولا
إنَّ الَذين أمرتهم أَن يعدلوا
لم يفعلوا ممّا أمرت فتيلا
ولا يغيب عن البال شكوى أبي العتاهية إلى الخليفة في عهد بني العباس مقدّماً شكواه باسم الفقراء وهو يرفع صوته محتجاً على الغلاء الذي أثقل كاهل الناس:
من مبلغ عني الإمام نصائحاً متتالية
أني أرى الأسعار أسعار الرعية غالية
ولقد كان لسيطرة النزعة المادية, وسيطرتها على سُلّم القيم الروحية في المجتمع أثره في نفوس الشعراء في ظل الحكم العثماني الذي فرز طبقات المجتمع إلى فئات متباينة فكانت طبقة الحكام والتجار ومن لفّ في دائرتهم فحظي بمزيد من الرفاهية والعيش الرغيد, في مقابل تمتع تلك الفئة بمزيد من أسباب السعادة والرفاهية.
ومع تفتح الوعي في العصر الحديث نتيجة الانفتاح بين أوربة والوطن العربي الذي أذكى نار الإحساس الخانق لدى العربي بأنه محروم من حقوقه الاجتماعية والسياسية, فبدأ الأديب العربي يعيش الهمَّ الجمعي, فانطلقت دعوات التغيير والانعتاق من أسر الماضي, فكثر التغني بالوطن والمطالبة بالحقوق, كما انتشرت دعوات محاربة الجهل والتخلص من آفات المجتمع الأخرى التي غلّت الوطن العربي في بوتقة التخلف كاشفين الستار عن الظلم الاجتماعي.
ولقد أفرز ذلك الوعي الجديد أدباء حملوا مشاعل النضال للتحررّ الاجتماعي والقومي, فتسلحوا برؤية الواقع برؤية واقعية محاولين التغيير والانعتاق إلى عوالم المستقبل الأفضل واتخذوا مواقف جريئة فيما يتعلق بالقضايا الكبرى التي تمسُّ حاضر أمتهم ومستقبلها متطلعين إلى تحقيق أهدافها الإنسانية المثلى في العدالة الاجتماعية فكان الأديب مشعلاً يحمل فكره بوصلةً تحدد الطريق الجديدة للجماهير التي يريد لها أن تسير بكلماته إلى الحياة الأجمل والمستقبل الأرحب حيث يعيش الإنسان بكرامة وحرية.
- د. طامي دغيليب