-1-
معالي الوزير، تُكتب الرسائل حين يُولد الأملُ أو يتجدّد، وتُحرق حين يطول عليه الأمد فيقسو، ولأنني أرى في كلّ قادم ومضة أمل؛ فقد كتبتُ إليك هذه الأسطر ..
تدخل الوزارةَ اليوم - معالي الوزير - وهي في أضعف أحوالها، تعاني من كلّ شيء تقريباً، وقد أشرتُ في أكثر من مقالة - كما أشار آخرون - إلى طَرَفٍ من معاناتها المتشظية. ويبدو لي أنّ الوزارةَ في حالٍ كهذه لا تحتاج منك إلى شيء مثل حاجتها إلى (خطة إنقاذ) عاجلة؛ تقف التراجع الذي تتقلب فيه منذ زمنٍ بعيد، وأما الدراسات المسترخية، والخطط البعيدة، وتوليد اللجان من اللجان (التي اعتدنا عليها مع كلّ وزير جديد) ففصلٌ طويلٌ في هذه المعاناة الطويلة !
-2-
وتدخل الوزارةَ اليوم - معالي الوزير - وفريقها الإداري يعاني من مشكلات في التأهيل والتطوير، ومثلها في البيئة الإدارية، ومثلها وزيادة في المزايا المادية والمعنوية، وسترى بعينيك طرفاً منهم مغطى بالإحباط من رأسه إلى أخمص قدميه، يعمل معك بجسده لا بروحه، ويبحث عن فرصة ولو بائسة ليطير بها إلى مكان آخر !
إنّ موظفي الوزارة بحاجة اليوم إلى وزير يزرع فيهم رهانه، ويبني معهم بيئة عمل جاذبة، وإطاراً تنظيمياً يحفظ لهم الحقوق قبل أن يملي عليهم الواجبات، ويجعل الإنتاجية المعيارَ الوحيدَ للتمايز بينهم. ولن يتحقق هذا الهدف المهمّ إلا بتواصلك المباشر معهم، واستماعك الدائم إلى ملحوظاتهم، واهتمامك الخاص بمعالجتها !
-3-
وتدخل الوزارةَ اليوم - معالي الوزير - وخدماتها واهنة، ينفق معها أحدُنا الكثيرَ من الوقت مقابل خدمة (عادية) يمكن أن يحصّل مثلها في مؤسسة أخرى قبل أن يرتدّ إليه طرفه !
ولن تتمكن الوزارة من معالجة هذا الجانب المهمّ إلا بإعادة هيكلة وكالاتها وإداراتها، وضخّ الأسماء الجديدة المتميزة في وحداتها ولجانها، والاستفادة من تجارب المؤسسات الأخرى، والشراكة الفاعلة مع القطاع الخاص، والتحوّل الحقيقي الشامل من (الورقي) إلى (الإلكتروني).
-4-
وتدخل الوزارةَ اليوم - معالي الوزير - وطاقتها الإعلامية ضعيفة، عاجزة عن الوقوف على قدميها فضلاً على التأثير في الداخل والخارج، ورغم (الميزانيات) الكبيرة المرصودة للوزارة في شقّها الإعلامي فإنّنا لم نرَ بعدُ صورةً، ولم نسمع صوتاً !
والسؤال هنا: أين الوزارة من شبابنا الذين أحيوا المؤسسات الإعلامية الخاصة، ومنحوها كلّ هذا النفوذ ؟
أين هي من برامج الاستقطاب، والتأهيل، والتطوير، والشراكة، والتسويق؟
ما حجم مساهمتها الإعلامية في التنمية التي شهدتها بلادنا في السنوات الأخيرة ؟ وما الذي ستقدمه إعلامياً لرؤيتها الجديدة ؟
ما خطتها لمعالجة واقع الصحافة، وهيئة الصحفيين، وملفّ النشر؟ وما الذي تملكه لمواجهة الحرب الإعلامية التي تُشنّ على بلادنا؟ وما الأدوات التي ستعتمد عليها في تغيير صورتنا الثقافية المنمّطة؟
أسئلة تبدو سهلة، لكنّها أكبر من أن يُجابَ عنها بجرّة قلم!
-5-
وتدخل الوزارةَ اليوم - معالي الوزير - ويدها الثقافية مشلولة، لا تقوى إلا على المعاد المكرور، أو الناقص الضعيف، أو الهشّ المرتجل.. حتى الهيئة العامة للثقافة التي صدر بها الأمر الملكي مع هيئتي الترفيه والرياضة ما زالت رهينة الورق، بحاجة إلى يد قوية تقطع بها مسافة التأسيس في وقت وجيز، وبطريقة تضمن لها القدرة على التعاطي المستمرّ مع تطلعاتنا النامية.
إن ثمّة حركة أدبية وفنية في بلادنا، تحتاج إلى وزارة راعية، تنهض بالفعل الثقافي وتتحمّل مسؤوليته، وتقدّم نفسها بصفتها المرجعَ الرئيس له.. ولن نبلغَ هذه الغاية بالكلام العابر أو الوعد المحلّى، بل بصياغة الرؤى وإشهارها، ورسم الخطط وتنفيذها، والعمل على استكمال البنية التحتية للفعل الثقافي، المتمثلة في توفير المقارّ المناسبة، ومراجعة اللوائح والأنظمة، والتفاعل مع توصيات المثقفين المهمّشة منذ عقدين أو أكثر!
ولن تستطيع الوزارة تحقيق هذا الهدف المهمّ إلا إذا آمن الوزير نفسه إيماناً كاملاً بأهمية هذا المنتج، وباشتماله على فرص يمكن استثمارها لصالح الوطن سياسياً واجتماعياً واقتصادياً!
-6-
وتدخل الوزارةَ اليوم - معالي الوزير - وعلاقتها مع الوسط الثقافي في أسوأ أحوالها، إلى الحدّ الذي رفض معه بعضُ المثقفين البارزين العملَ حتى في مناصبها الرفيعة؛ لأنهم باتوا على يقين بأنّ سقفها دون رؤوسهم، وأنّ ممرات الإبداع فيها معطّلة بحواجز يصعب رفعها!
بل تجاوز الأمرُ هذا الحدّ، فارتفع - في السنتين الأخريين - عددُ المثقفين المنسحبين من التعاون المؤقّت مع الوزارة في أنشطتها الموسمية كمعرض الكتاب وملتقى الأدباء، وما ذاك إلا لأنهم خرجوا من التجارب السابقة بانطباع (سلبي) عن مستوى تقديرها لأفكارهم وجهودهم؛ ولن تستطيع الوزارة سدّ هذه الفجوة الخطيرة إلا :
- بالتواصل المباشر مع الفاعلين في النشاط الثقافي وإدارته، وإبداء الرغبة الجادة في الاستفادة من رؤاهم وتجاربهم.
- وفتح قنوات تفاعلية عامة لاستقبال الأفكار حول إثراء عمليها: الإعلامي والثقافي.
- والتفاعل مع النقد الذي يستهدفها، واعتماده وسيلة من وسائل تطوير وتقويم الرؤية والأداة!
-7-
وأخيراً معالي الوزير، لم تفتني تهنئتك بالمنصب وأنت أهلٌ له بلا شك، لكنني رأيتُ تأجيلَها إلى حين، فليس ثمة أجمل من تهنئتين معاً، أولاهما: على ثقة القيادة، وثانيتهما: على الإنجاز، وقل عسى أن نراه قريباً.
- د. خالد الرفاعي