ثانياً: توصيف طَرَفَي النزاع، ومعطيات الصراع:
أ ـ «حارة الشيخ»:
صرَّح كاتب المسلسل بندر باجبع في حديث عبر قناة map news بعد ردود الفعل العنيفة ضده في تويتر من أصحاب وسم «هوية الحجاز» أن عملهم هذا دراما خيالية تلامس جوانب من الحياة الاجتماعية في حارة افتراضية من حارات جدة التي كانت قبل قرابة 200 سنة، وأنه ليس عملاً وثائقياً حتى يُطلب منه الدقة التاريخية، ولكنه أكد في الحديث نفسه - وكذلك في لقاء مع صحيفة مكة الإلكترونية، وأيضاً في مقطع فيديو آخر سجله لنفسه - أنه اعتمد على مؤلفات تاريخية في ثقافة الحجاز وجدة، ووصف ناقديه بالجهل بها، وذكر منها موسوعة تاريخ جدة لعبدالقدوس الأنصاري (وهو مصدر رائد في التاريخ الثقافي لجدة). وفي تقرير لقناة العربية وُصِف المسلسل بأنه عمل فانتازي! وفي لقاء لممثلَيْن رئيسيْن (محمد بخش ويوسف الجراح) مع إحدى قنوات mbc (العربية) صرّحا فيه بأنه عمل حجازي تاريخي.
وفي هذه التصريحات والتعليقات من الكاتب والممثلين تناقضات في توصيف الطبيعة الفنية للمسلسل؛ فالدراما الخيالية تختلف عن الدراما التاريخية، خاصة الدراما التي تُوصف بأنها تحكي ماضياً معيناً يُعتمد في كتابة نصها على مصادر تاريخية مدونة! والفانتازيا عمل مغرق في الخيال الأسطوري والخرافي بغرض وضع المشاهد في أجواء مثيرة وغامضة تنمي خياله وشعوره، وليست هكذا طبيعة مسلسل الحارة. على أن الكاتب يتناقض تناقضاً عجيباً في موقف واحد (كما في حديثه لقناة map news) حينما يصرح بأن تاريخ جدة معروف ومدون منذ 2500 سنة، ثم يزعم - رادًا على مهاجميه - أنه لا يُعرف شيء عن جدة قبل 200 سنة! بل يتحدى أن يأتي أحد بمعلومات موثقة عن تاريخ جدة الثقافي قبل مئتي سنة! وهذه روابط المقاطع المحتوية على هذه التسجيلات واللقاءات:
(لقاء الكاتب بندر باجبع مع قناة map news)
https://www.youtube.com/watch?v=Wb2fcOO4Dms
(تسجيل خاص للكاتب بندر باجبع)
https://www.youtube.com/watch?v=57rLEq5rKSY
(مقابلة الفنان محمد بخش مع قناة العربية)
https://www.youtube.com/watch?v=nR-m1F3EFig
(لقاء الكاتب بندر باجبع مع صحيفة مكة الإلكتروينة)
https://www.youtube.com/watch?v=pALHOae_M2Q
ومن المهم في الحديث عن طبيعة العمل هو «حجازية» المسلسل في نظر القائمين عليه من مؤلف ومخرج وممثلين ومدافعين، فكلهم صرَّح بأنه أول عمل حجازي من نوعه في الفن السعودي، فهم إذن يرونه يمثل الحجاز ثقافةً وتاريخاً وواقعاً، والاتكاء على مفردة «الحجاز» هو السبب الأكبر الذي جر إلى الخصومة بين الطرفين وكشف عن تنازع خفيّ في الثقافة والتاريخ والجغرافيا.
ب ـ وسم «هوية الحجاز»:
أُنشئ هذا الوسم على تويتر قبل الإعلان عن مسلسل حارة الشيخ كما يقول أصحابه، وغرضه - حسبما يذكرون - التعريف بثقافة الحجاز «الأصلية» والدفاع عنه وعن أهله «الأصليين»، ولكنه منذ الإعلان عن مسلسل حارة الحجاز إلى الآن يكاد يكون مخصصاً للرد على فكرة المسلسل ولكشف ما يرونه حرباً ثقافية خفية ضد هوية الحجاز وأهله وتاريخه وثقافته الأصيلة.
وأغلب الحسابات في هذا الوسم مجهولة الأسماء، وقليلٌ من القليل الباقي لأشخاص غير متخصصين في التاريخ، ولا يملكون وعياً معرفياً وثقافياً كافياً، وعدد ليس بالقليل من تلك الحسابات يفتقد الحد الأدنى من الوعي الوطني! كما ظهر لي شخصياً من خلال حوار طويل أجريته مع كثير منهم في هذا الوسم للتعرّف المباشر على أفكارهم وتوجهاتهم.
ومن هذه الحسابات: عيون الحجاز، وإشراف أون لاين، والحجاز...
ولعل حساب الحجاز alhijaz_ksa@ يلخص غايات كل الحسابات النشطة في هذا الوسم من خلال التعريف الذي يقدمه للقارئ عن نفسه، ونصه:
«فضْح مزورين [هكذا] تاريخ الحجاز وفضح المنادين بتدويل الحرمين. هنا للتعرّف على التراث الأصيل والثقافة الحجازية العربية لأهل الحجاز من الشمال إلى الجنوب». وفي تغريدة مثبتة يقول: «فكرة الهشتاق رفض توثيق وتعميم التراث الخارجي المستورد وفرضه في الإعلام والمهرجانات كتراث حجازي وتهميش تراثنا الأصيل».
وقد دخل الطرفان في جدال طويل عبر هذا الوسم منذ الإعلان عن المسلسل قبل عرضه وطوال عرضه وبعده، وتركز الجدال حول ثقافة الحجاز، وهوية الحجاز، ومفهومَي الأصيل والدخيل، وتهميش الأصلاء وتفضيل الدخلاء، واختراق الإعلام... إلخ. واتسم الجدل في عمومه بالذاتية والجنوح إلى العنصرية والشتائم من الطرفين.
ولم يقتصر المهاجمون للمسلسل على الكتابة في وسم «هوية الحجاز» بل ظهر عدد منهم في قناة العربية مكررين الأقوال التي نجدها في الوسم المذكور على تويتر، ويمكن الاطلاع على انتقاداتهم ومطالباتهم التي أذاعتها قناة العربية على هذا الرابط وتحت العنوان التالي:
(دراما رمضان: حارة الشيخ تثير غضب أهل الحجاز)
https://www.youtube.com/watch?v=uEI8MbN_IPY
وخلاصة اتهامات المغردين في وسم «هوية الحجاز» وكذلك من ظهروا بانتقاداتهم في قناة العربية ضد المسلسل والقائمين عليه أوجزها فيما يلي:
1 ـ الخروج عن قيم الحجاز الأصيلة الإسلامية العربية وتشويهها، كالحياء والشجاعة والكرم والفروسية...إلخ.
2 ـ تهميش أهل الحجاز «الأصليين» وثقافتهم.
3 ـ تقديم ثقافة «دخيلة» على ثقافة الحجاز «الأصيلة» في اللغة والملابس والطعام والفنون وسائر العادات والتقاليد.
4 ـ ويعرض مغردو الوسم في خلال ذلك أمثلة مما يرونه معبراً عن ثقافة الحجاز «الأصيلة» وهويته الحقيقية مثل: العمامة القديمة، والشماغ والغترة مع العقال المقصب، واللعب بالبنادق (فن التعشير مثلاً)، والرقصات الشعبية (كالمجرور والخبيتي... إلخ) والأطعمة القديمة..
د . خالد الغامدي - أستاذ اللسانيات الثقافية بجامعة الطائف