ما يزال هناك من يظنك فارغًا، مثل بالون مثقوب... كنت في السابق منتفخًا بما يكفي، مجوفًا من الداخل مثل طبل.
هل كنت منخورًا بسوسة الشجر؟ هل كانت الديدان تتغذى عليك مثل فراش جديد، فارغ من الذكريات الساخنة والباردة والمبللة والجافة، الديدان لا تأكل الفرش المستعملة كما تقول أمي. هذا يعني أنك ما تزال فارغًا، لا تغير البثور الكثيرة على وجهك من حقيقة الأمر شيئًا. حتى ندوب العمليات التي أجريتها تثبت أنك فارغ، مفرَغٌ من حشوتك، ألا يذكرك هذا بجلد الأسد الذي ارتداه الحمار يومًا؟ من أنت من بينهما؟ غالبًا ما يكون الحمار بطلاً للحكايات الحزينة، التي لا تكشف سوى مزيد من غبائه وبلاهته، وبلاهتك أنت أيضًا!
تستيقظ عند انتصاف النهار، آملا أن يمنحك الليل الطويل حشوة إضافية، تحصل عليها مجانًا مع حزمة الذراع المتخشبة وخطوط المخدة على خديك المسفعين بحرارة الشمس -أثناء محاولاتك الكثيرة الفاشلة للامتلاء- والجفنين المنتفخين مثل جفون ممثل مصري قديم، يدّعي كثيرون عدم معرفته. تواصل حشو نفسك بكل ما تجده أمامك، لكن حجمك لا يزيد. لا بد أن هنالك ثقبًا يسرّب حشوك، كلما مشيت تساقط منك شيء، كلها أمور تشي بمرورك من هنا، مرصوفة بخط منحنٍ مثل حجارة الجدول. تقرر أن تكتفي بالهواء لكنه ينسلّ هو الآخر من الثقب نفسه الذي لا تعرف له مكانًا، تطير قليلاً في الهواء، ثم تسقط مثل جورب متسخ، مثقوب هو الآخر!
يستفز وجيب قلبك، يستفزك قرعه العالي، تراه ممتلئًا مزدحمًا بالكلمات التي تجعدت وبحاجة إلى مكواة لتكون صالحة للاستعمال من جديد، وبالهدايا التي تمنيت أن يفاجئك وصولها في أعياد ميلادك المعتمة، وبكل أولئك الذين تخلصوا منك وبقيت عالقًا في المنتصف مثل كومة شعر في مجرور، ووقفت أمام المرآة تتمرن على صفعهم دون أن تفعل، قلبك مزدحم بتلك الصفعات أيضًا.
أعظم أحلامك أن تتحول إلى منطاد، بساقين هزيلتين مثل ساقي دجاجة ممتلئة، لا تملك ريشها، لكنها لا تطير مثلك. ها أنت تتفوق عليها بنقطة، مرحى لك. أنت تطير، تمتلئ أخيرًا، تظهر لسانك للناس في الأسفل، كل أولئك الذين يقتلهم الفضول ليعرفوا كيف طرت، هم نفسهم الذين تساءلوا كيف طارت السلحفاة مع البطتين، وسقطتما، ثقبك طفل مشاكس بحجر من مقلاعه، وصرت ترسم علامة اللانهائية، لتسقط أخيرًا مثل بالون مثقوب.
ما تزال فارغًا، وهناك من يظنك فارغًا، هلا كففت عن محاولة الامتلاء!
- بثينة الإبراهيم