هالة الناصر
لا شك أن كل مجتمع يهمل الجانب الثقافي سيجد نفسه في مهب الأيدلوجيات تتلاعب به كل ريح عاتية حتى يبدو وكأنه حلبة مصارعة لا لغة فيه تفوق لغة المناطحة وإثبات الذات، يستمرئ المجتمع ضعيف الثقافة الفوضى ويتعايش معها حتى تصبح وكأنها الأجواء المفضلة والصحية للعيش الآدمي بالنسبة له، الضخ الإعلامي اليومي لهذا الكم من المحتوى هو الذي يحدد ثقافة الفرد ضمن نسيج المجتمع، تتشكل ذهنية الفرد من خلال ما تبثه له وسائل الإعلام بمختلف مشاربها، لذلك تجد فوزاً رياضياً في لعبة ما يجد صداه المدوي بين أطياف المجتمع أكبر بكثير من فوز مشارك في أولمبياد الفيزياء مثلا، أو في جائزة عالمية للأدب.. غير الفوز الرياضي في مجال كرة القدم لا يجد صداه في المجتمع السعودي كما يجب وذلك نتيجة اهتمام جميع وسائل الإعلام السعودي منذ الأساس في مواضيع الرياضة على حساب اهتمامات أخرى مما ساهم بشكل مباشر في تسطيح وعي نسبة كبيرة من الجماهير وذهبت اهتمامات المتلقي بكل ما يخص كرة القدم حتى أنك تجد من لا يمارس هذه اللعبة كهواية ولكنه يتعصب لها بشكل كبير.
قبل أيام فاز السعودي محمد حسن علوان بجائزة (بوكر) العالمية عن روايته المثيرة للدهشة (موت صغير)، حيث لم يتابعها ولم يهتم بها من السعوديين إلا قلة لا تكاد تذكر، نشر خبر الفوز أو الانتصار على استحياء في أغلب وسائل الإعلام السعودية، ولم يشفع لهذا المؤلف فوز سابق مدوي عن رواية سابقة، حتى يستحيل أن تجد سعودياً يعرف ملامح وجه هذا النجم الحقيقي والذي يبشر باسم لو تم دعمه والاهتمام به لساهم بشكل مباشر في تحسين الصورة الذهنية عن مجتمعنا في أذهان المجتمع العالمي، مثل ماساهم ماركيز أو كويلو في حب الكثيرين من القراء في العالم لبلديهما ولمجتمعها، نجاح أي روائي عالمياً هو دعم إيجابي ومؤثر لبلاده ومد جسور محبه بين مجتمعه والمجتمع العالمي بأسره، هذا النصر العالمي وغيره من الانتصارات الثقافية يذهب بنا لضرورة إنشاء وزارة مستقلة للثقافة أو على الأقل هيئة مختصة بالثقافة السعودية ونقلها نحو العالمية، حيث لا أقوى أثراً مما يحدثه المثقف في أذهان الناس وخصوصاً بين المجتمعات الغربية التي تكن مودة خاصة للنتاج الثقافي وتتعامل معه باهتمام منقطع النظير، حان الوقت لجعل المثقف السعودي يخاطب العالم بأسره، وذلك من خلال ترجمه أعماله لعدة لغات ودعم وصوله لمنصات عالمية أكثر احترافية وانتشاراً، هناك روائيون سعوديون وشعراء وكتّاب يملكون القدرة على كسب احترام المتلقي الغربي يستحقون أن يكون لهم جهة رسمية تملك القدرة والتخطيط على إيصالهم للعالمية، بلادنا بحاجة ماسة لدعم صورتها الإيجابية في أذهان الرأي العام العالمي ووجود روائي سعودي عالمي سيكون من أهم الأسباب التي تحقق ذلك.