فهد بن جليد
في عمَّان صدرت أمس الموافقة الرسمية على إصدار الصحيفة الورقية العاشرة في الأردن، التي سيكون اسمها (نبض البلد)، وهو خبر صادم نسبياً للمُتنبئين بأفول (صحافة الورق) سريعاً عن المشهد الإعلامي العربي، ولكن مثل هذا الاستثمار يؤكد أن الوقت ما زال مبكراً على مقولة إن صناعة الورق وطباعته (مابتوكلش عيش)، مع إيمان الجميع بأنَّ التطور التقني له دوره ومكانته المستقبلية الحتمية، وإن تغيرت واختلفت الظروف من بلد إلى آخر، تبعاً لمتوسط أعمار السكان ومستواهم التعليمي، وقوة الاقتصاد، وحرية التعبير، وظروف التقنية وسهولة الحصول عليها وسرعتها، ومدمني تحسس الأخبار باليد، واستنشاق الأحبار بالأنف..
بالمُقابل عند رؤيتك لتهافت الإعلاميين والمشاهير العرب في منتدى الإعلام العربي في دبي على تدشين صحفهم وصفحاتهم على موقع لينكد إن على الشبكة العنكبوتية وغيره من المواقع، كآخر موضة وصرعة للتأثير التقني الاقتصادي على الشركاء، تجد أن أكثر المتحمسين هم صحفيون أو كُتاب جاءوا من رحم صحافة الورق، مُعتقدين بأن التطور هو باللحاق بركب التقنية والتقدم، كضمانة وحيدة لبقائهم في دائرة الشهرة والأضواء، مُتجاهلين حقيقة أن تمسكهم بمواقعهم وأماكنهم في الصحافة الورقية المكتوبة هو الضمانة الأقوى التي يتكئون عليها للمنافسة الحقيقة في المنصات التقنية للإعلام والتواصل الجديد، لأن المتلقي يستطيع التفريق بين الصحفي الذي يطارد ويصيد الخبر ليصنع التشويق والإثارة، وبين التقني الذي يعيد نشر الحدث وصوره إلكترونياً..
مفهوم الصحافة الإلكترونية ما زال غير واضح عند كثير من المشتغلين في حقل الإعلام الذين يعتقدون بنظرة ضيّقة أن التطور التقني يعني حتماً موت الورق، بينما الحقيقة أن البيئة المتغيرة لنشأة النشر الإلكتروني لا يمكن أن تعتمد على نفسها في هذه المرحلة ولسنوات مقبلة لأنها -ما زالت- تقتات على المحتوى الورقي، وعلى الإعلامي والصحفي وكاتب الرأي القادم من الصحافة التقليدية، ولا ضير في تطور الصناعتين معاً، بدليل أن الكثير من الصحف الورقية تنافس اليوم بقوة على رأس الهرم في الشبكة العنكبوتية، وبمنتج خاص (أون لاين) إضافة إلى المحتوى الورقي الذي يتم تحويلة إلى محتوى إلكتروني بشكل يومي..
سقوط بعض الصحف الورقية في السنوات (الخمس الماضية) أغرى الكثيرين للتكهن بموت صحافة الورق سريعاً، ولكن المعادلة تغيّرت في السنة الأخيرة تحديداً، بظهور مواليد جدد (لصحافة الورق)، ممّا يزيد من التحدي وينبئ بجولات ومفاجآت قادمة، لأنّ شريان الورق ما زال ينبض بقوة.
وعلى دروب الخير نلتقي.