د. عيد بن مسعود الجهني
قبل عام 1979م لم نعرف هذه النعرة الشيطانية التي يبث سمومها ملالي طهران منذ أن حطت رحال الخميني وافداً من فرنسا ليحل محل شاه إيران، فما إن دخل طهران حتى أعلن تصدير ثورته الشيعية إلى دول الجوار، وبملء فمه أعلن تحرير القدس والطريق هو العراق أولاً، وخرج من رحم تصريحاته تلك الحرب الإيرانية - العراقية المدمرة، رافعاً راية المذهب الشيعي تعنتاً ليحدث صراعاً مذهبياً لم نكن نعرفه من قبل، فالإخوة الشيعة كانوا يعيشون مع أهل السنة والجماعة لدرجة أن معظمنا لم يعرف أن فلاناً أو علاناً هو من أصحاب المذهب الشيعي.
الكثيرون لم يعرفوا شيئاً عن الحوثيين أو حزب الله الذي زرعته طهران في لبنان سوى أنه حزب تأسس لنصرة لبنان ضد إسرائيل، وعندما هبت ثورة الشعب السوري ضد طاغية الشام تحول رأساً حزب الشيطان ليذبح أهل السنة والجماعة، فعرف الناس غاية ذلك الحزب وأهدافه وركوعه تحت قدمي ولاية الفقيه بإيران، كما فعل الحوثيون في اليمن ومعهم علي صالح.
بلاد الشام وأهلها يحترقون اليوم بسبب النعرة المذهبية التي تقودها طهران، فهي التي جندت رجلها وخيلها لبث الحروب والفرقة في أربع دول عربية، بلاد الشام والعراق واليمن ولبنان، ورفعت راية جهاد الشيعة ضد تلك الدول مجندة الشيعة من باكستان وأفغانستان والعراق الذي احتلته على طبق من ذهب للانضمام إلى العلويين في الشام وحزب الشيطان والحرس الثوري والقادة العسكريين الإيرانيين، لارتكاب جرائم قتل وتشريد أهل الشام وإحلال إيرانيين وغيرهم بدلاً من السكان الأصليين.
لم يكتفِ خليفة الخميني خامنئي في ذلك إنما كون حلفاً قادته روسيا هدفه دمار سوريا بلداً وشعباً، وصار لهما ما أرادا، فقيصر روسيا اعتبرها فرصة سانحة، فالأمريكيون جربوا أسلحتهم الجديدة المتطورة في أفغانستان والعراق الذي أصبح ولاية إيرانية، فمن حق روسيا أن تجري تجارب أسلحتها الجديدة المتطورة على أرض بلاد الشام أمام أعين أمريكا، وهذه هي لعبة الأمم وتقاسم النفوذ في النظام الدولي الجديد، هذا لك وهذا لي والخاسر الوحيد هم العرب.
بلاد الشام تدمر كما دمرت من قبل بلاد الرافدين، والسوريون بتعداد سكانهم (22) مليوناً أصبح أكثر من نصفهم خارج الوطن مهجرين يشحذون العون في كل بقاع الأرض، بعد أن قتل الإيرانيون والروس و(فأر) سوريا وأعوانهم أكثر من (600) ألف معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، وجرح أضعاف أضعافهم وألقيت عليهم أسلحة الدمار الشامل مرات عدة في كل من خان العسل وخان شيخون وغوطة دمشق الشرقية ومضايا وسراقب شاهدها العالم وهو مغمض العينين.
وحتى صاحبنا السيد أوباما الذي صاح معلناً أن من يعبر خطه الأحمر مستعملاً أسلحة دمار شامل في سوريا فالويل والثبور له، لكن خطوطاً حمر عدة عبرت فتحول تهديده ووعيده إلى رماد، فجاء السيد ترامب ليكون أقوى شجاعة فرد على استعمال (الفأر) السلاح المدمر بعدد من صواريخ (توماهوك) كرسالة تحذير لن تكتمل إلا بموقف أمريكي واضح إما معنا أو ضدنا على غرار كلمات الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن في كارثة بلاد الشام التي رأس الأفعى فيها إيران تسندها روسيا التي استعملت حق النقض الفيتو (8) مرات ضد كل قرارات مجلس الأمن التي تدين النظام السوري (الفاشي) على ما ارتكبه ضد الشعب السوري.
هذه الأسلحة الكيماوية التي ذر طاغية سوريا الرماد في العيون، وأعلن تخلصه منها وتسترت عليه بذلك روسيا وإيران وقبل السيد أوباما آنذاك لا يزال يمتلك النظام السوري النازي مخزوناً كبيراً من ذلك السلاح المدمر، وقد صرح بذلك وزير الدفاع الأمريكي في زيارته أخيراً لدول في الشرق الأوسط وفي مقدمتها المملكة.
العصر الحديث لم يشهد نازياً على الإطلاق مثل إيران و(فأر) سوريا (الدمية) بيد طهران وموسكو، فالنازي هتلر لم يقتل شعبه كما فعل (عبد) طهران وروسيا، والعدو الإسرائيلي منذ تأسيس دولة إسرائيل على أرض العرب عام 1948م وحتى اليوم، وهي التي ارتكبت جرائم صبرا وشاتيلا وجنين وغزة وغيرها، لم تقتل من العرب المدافعين عن أرضهم هذا العدد الرهيب ولم تستعمل أسلحة دمار شامل ضدهم.
إنما هي إيران التي أعلن قادتها مراراً وتكراراً تحريرهم للقدس وتدمير إسرائيل ومسحها من خارطة العالم، هي وأعوانها هم الذين قتلوا أهل الشام ودمروا البلاد وعاثوا فيها فساداً، حتى أن أعمار تلك البلاد بحالتها اليوم تكلفته تزيد على (360) مليار دولار وحلب لوحدها أكثر من (60) مليار دولار.
المهم أن طهران (الشر) لن تتوقف عن تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية قاطبة وخططها الإستراتيجية في هذا واضحة من بلاد الرافدين إلى الشام ولبنان واليمن، وحتى مصر التي اكتشف أخيراً مخزناً ضخماً من الأسلحة في محافظة البحيرة صناعته إيرانية هُرب من ليبيا إلى بلاد أرض الكنانة.
ففي تاريخ 16 ديسمبر 1949م أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 375 (الدورة الرابعة) في شأن حقوق الدول وواجباتها التي تمت الموافقة عليها نهائياً في الدورة الخامسة والعشرين، وتنص المادة الثالثة منه على: (واجب كل دولة الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية لأية دولة أخرى)، كما أن مبادئ إعلان حقوق الدول وواجباتها الصادر عن الجمعية العمومية بقرارها رقم 2625 في دورتها الخامسة والعشرين بتاريخ 24 أكتوبر 1970م من أهم المبادئ التي تضمنها الإعلان أن على كل دولة الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى، ويدخل في إطار هذا الواجب الامتناع عن إثارة الاضطرابات الداخلية في الدول الأخرى والامتناع عن تنظيم أي نشاطات في إقليمها تستهدف إثارة مثل هذه الاضطرابات.
ويبقى القول إن جمهورية الشر منذ ميلادها عام 1979م وضع ملاليها الخطط والإستراتيجيات لإثارة الفتن والتوترات والتدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية بشكل مباشر وغير مباشر ولدينا الدليل تلو الدليل.
طهران تحتل (بالقوة) جزر الإمارات الثلاث طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، الموقف العدائي السافر الإيراني تجاه مملكة البحرين مشهود ومعروف ويمثل تدخلاً سافراً في شؤون دولة مستقلة، وفي العراق ولبنان التدخلات الإيرانية ظاهرة للعيان لا ينكرها حتى الأعمى والأصم، وفي سوريا واليمن يشن ملالي إيران حرباً ضروساً مدمرة ضد الشعبين السوري واليمني الشقيقين.
عملاء طهران الحوثيون وعلي صالح في اليمن وحزب الله وطاغية الشام ومجموع شيعة إيران وأفغانستان وباكستان والعراق جندوا في معارك طاحنة أحرقت البشر والشجر وأعادت البلاد إلى عهود الظلام.
على الجانب الآخر خلال هذه الفترة الطويلة وملالي إيران يمارسون عبثهم الخبيث العقائدي ويسعون بالفعل ليس فقط احتلال الأرض والسيطرة على شعوب أربع دول كما يجاهر الملالي بل وتفتيت كيان الدول العربية!!
أمام هذا التخطيط الجهنمي لعل بيت العرب يستفيد من العبر والدروس ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، ويسرع أهل هذا البيت الكبير في وضع خطة ورؤى مدروسة بدقة وحصافة ترسم الخطوط العريضة لمواجهة الخطر الداهم من دولة تطمح لحجز مقعدها في النادي النووي ليس بوحدة الكلمة فقط وإنما ببناء القوة، فهي الأنجع في مواجهة (القوة) المضادة.. وهي (القوة) التي تحمي - بعد الله - الأمة والسيادة والأنظمة السياسية والثروة والمكتسبات والأمن الذي يعد الشغل الشاغل للدول.
القوة هي المقصود بتعريف الأمن القومي بأنه القدرة على توفير أكبر قدر من الحماية والاستقرار للدولة وسيادتها وحمايتها ومواطنيها من التهديدات الداخلية والخارجية.
التاريخ يلقي علينا عبره ودروسه في غابر الأزمان وهذا الزمان بأن امتلاك (القوة) سلاح ماض للتصدي لطهران وأعوانها، والتصدي لسموم الفتن والتخريب والمؤامرات والتدخلات الداخلية التي تعلنها جمهورية ولاية الفقيه جهاراً نهاراً.. فالقوة تحد القوة يحترمها الصديق والعدو كإيران التي أصبح لها القدح المعلى في العراق وسوريا ولبنان حيث حزب الشيطان وتبث سمومها في اليمن حيث الحوثيين وعلي صالح.
علينا استيعاب قصص وعبر ودروس التاريخ العظيمة حتى
لا يشهد علينا تاريخنا العظيم أننا شهداء على خطر داهم يدب نحونا سريعاً بأحداثه الجسام.. ولم نتقدم خطوة أو خطوات لاقتلاعه أو على الأقل الحد من قوة اندفاعه.
والله ولي التوفيق.