زكية إبراهيم الحجي
تظل الحقيقة عنواناً للخبر.. والمصادر الموثقة دعامة للبناء الخبري.. وتظل المهنية شعار النجاح مع إعلام يتماشى مع سرعة الحدث الواضح والصريح.. لكن تبقى الدعاية كلمة السر التي تُدار بها مختلف أنشطة النظام العالمي.. الأحداث السياسية أحداث الحروب الشأن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. الانتخابات وتلميع الشخصيات.. إلخ.. ولا نبالغ إذا قلنا بأن جميع شعوب العالم باتت تعيش تحت سطوة نظام الدعاية التي تسللت بقوة في أمور الشعوب وأثرت في حياتهم واختياراتهم.
إن الوجه الإعلامي الذي يتطور يوماً بعد يوم والتكنولوجيا التي أنجبتها عقول الغرب وثورة المعلومات التي تجاوزت كل حدود جغرافية الكون لم تكن بريئة من غاياتها وأهدافها السياسية ولم تخلو من أدوات التسييس وصياغة إستراتيجيات فكرية وأخلاقية وثقافية وتوجهات لإنتاج ثقافة تسويق الاستهلاك إلى غير ذلك.. وإن جاز لي التعبير وإن لم يكن دقيقاً فإن ثقافة المجتمعات تحولت إلى "ثقافة الومضة" وهذا هو الخطر الذي يصعب مواجهته.
بالعودة إلى عبارة "الخطر الذي يصعب مواجهته" فإنما أعني تحديداً الوسيلة لتحقيق الغاية.. أما الوسيلة فلا أتوقع أحداً يعيش عصر ثورة التكنولوجيا لم يسمع بها لكن قد يجهل البعض كنهها إنها "البروباجندا" أو الدعاية السوداء.. فما هي الدعاية السوداء وما هي أهدافها وغاياتها..؟.
أول من استخدم مصطلح "البروباجندا" أو ما يُعرف بالدعاية السوداء البابا غريغوري الخامس عشر وذلك عام 1622 م حيث أنشأ مجمعاً في روما لنشر التعاليم الكاثوليكية ثم أطلق عليه مسمى "البروباجندا" ويعني نشر المعلومات دون أي دلالات مُضلِّلة.. أما المصطلح بمعناه المُضلل والرائج فقد ظهر بعد الحرب العالمية الأولى وذلك عندما ارتبط بالسياسة والحروب حينها بدأ السياسيون في تلك الحقبة يعمدون إلى نشر الدعايات وذلك للترويج لأفكارهم ومعاركهم وتشويه صورة الخصم أو العدو وتلميع صورة من يقوم بها بصورة مبالغ فيها وذلك للتأثير على الرأي العام.. ومنذ ذلك الوقت كانت ولا زالت "البروباجندا"وسيلة فعالة رغم قبحها ودناءة استخداماتها.
البروباجندا أو الدعاية السوداء هي من أسوأ أنواع الدعايات.. تقلب الحق باطلاً والباطل حقاً.. تصنع من الضحية مجرماً وتصور المجرم الجلاد على أنه الضحية.. يستخدمها النظام العالمي لترسيخ سطوته وتحقيق غاياته لذا فهي الوسيلة للغاية.. وأمثلة ذلك كثيرة ومتعددة وفي تزايد وعلى كل المستويات.. ولعل أقربها أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث وُظِفت هذه الأحداث كذباً وزوراً دعائياً لإلصاق الإرهاب بالمسلمين ولتبرير غزو العراق.
وفي عجالة لا يفوتني أن أشير إلى أن الزعيم النازي هتلر أنشأ وزارة للدعاية عام 1933م فقد كان أكثر القادة الديكتاتوريين اهتماماً بالدعاية السوداء حتى أنه قال إن هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى سببه عدم وجود دعاية قوية وكافية تساند المجهود الحربي لكن بإنشائه وزارة للدعاية بدت الدعاية في عهده وكأنها مدفعية تستخدم كل ما من شأنه يصدم ويزعزع الكيان
البروباجندا أو الدعاية السوداء من أخطر وأسوأ أنواع الدعايات فهي لا تقتصر على المجال السياسي بل تمارس على كافة المستويات من عناوين الصحف إلى الخطاب الإعلامي.. إلى الإنتاج الاستهلاكي بمختلف أنواعه وإلى صناعة الأفلام وألعاب الأطفال إلى غير ذلك.. إنها تتسلل إلى جميع أنماط الحياة تخدعنا بشعاراتها الرنانة رغم سوء باطنها ومع ذلك نستسلم لها.