رقية سليمان الهويريني
في وقت مضى كان الشباب يستثمرون أموالهم بأصول ثابتة مثل العقار، فتراه يتملك أرضاً ويقوم ببنائها مسكناً يجزِئُه لدورين بتكاليف متوسطة، ويسكن طابقاً ويؤجر الآخر! وبعد عدة سنوات يشتري أرضاً بمساحة أكبر ويقوم ببنائها عمارة بدورين وشقق سكنية محدودة ويؤجرها. ثم ما يلبث أن يجمع قيمة الإيجارات ويبني به عمارة سكنية بأدوار متعددة مقسمة لشقق عديدة ومحلات للخدمات في أسفلها، أو سوقٍ مركزي كبير!
وبرغم أن مقدار الدخل سابقاً يقل عنه حالياً؛ إلا أن الأسرة السعودية كانت مقتصدة في الصرف، حكيمة في تدبير عيشها، ولديها حس عالٍ بترشيد الاستهلاك، وكانت الأجواء مناسبة للاستثمار حيث لم يكن هناك شراسة في المحاكاة والتقليد بين الفئات الاقتصادية المختلفة آنذاك، أما الآن فلا تكاد تفرق بين الفقير والغني ومتوسط الدخل بسبب دخول برامج التقسيط المختلفة، التي من خلالها صار المرء يشتري ما لا يملك مقابل الحسم الشهري من الراتب، وهو ما جعل معظم الشباب يحجمون عن الادخار، فضلاً عن الاستثمار، وأصبح من الطبيعي بلوغ المواطن الخمسين من عمره دون أن يمتلك سكناً خاصاً، ناهيك عن امتلاك عمائر يؤجرها ويستثمر ريعها!
وهدف المقال ليس الحديث عن تملك السكن بقدر ما هو مناقشة فكرة الادخار التي تؤدي بدورها للاستثمار في حال وجدت الإرادة وحلت العزيمة ودحر الكسل. وبقدر مدى كفاءة استثمار رأس المال يفضي بدوره لتوليد وإنتاج دخل إضافي للمستثمر يكون عائداً مجزياً يمكنه من تحسين وضعه الاقتصادي.
والملاحظ تخوف الشباب من الدخول باستثمارات قد تكون فاشلة وبذات الوقت ليس لديهم القدرة على الادخار في ظل حمى المنافسة والشراء المنفلت للسلع غالية الثمن التي تستنزف مجمل الراتب وهو ما يستدعي إرشاد الشباب من قِبل الاقتصاديين المدركين والمتبصرين لكيفية ادخار أموالهم مهما كانت ضئيلة، وتدريبهم على استثمارها وعدم تركهم فريسة للمغريات الاستهلاكية التي تجعلهم أسرى للبنوك ولتجار السيارات وأجهزة الاتصالات.