جاسر عبدالعزيز الجاسر
الأنباء القادمة من إستانا تشير إلى أن القوتين العظميين أمريكا وروسيا دخلا في سباق جديد، هذه المرة ليس سباقاً في إحدى الألعاب الرياضية، فلا في العدو، ولا في الوثب، أو حتى الرمي ورفع الأثقال، وليس لأن الروس موقوفون من الاشتراك في الكثير من المسابقات الرياضية بسبب تعاطي لاعبيهم المنشطات وممارستهم للغش في المنافسات، بل لأن هذه المرة يجري السباق على الأراضي السورية، بمشاركة أو بمراقبة تركية وإيرانية، وهي مشاركة برتوكلية، فكلاهما لا يقدمان ولا يؤخران ما ينوي العم سام والدب الروسي فعله في سوريا.
السباق الروسي الأمريكي في سوريا يتخذ هذه المرة ميدان إقامة ما يُسمَّى بـ«المناطق الهادئة»، وهو اصطلاح جديد للروس بعد اصطلاح الأمريكيين الذين اقترحوا إقامة «مناطق آمنة».
بين المناطق الآمنة والمناطق الهادئة يتسابق الروس والأمريكان، فالروس فاجأوا مَنْ حضرَ في مؤتمر إستانة الذي يبحث وقف إطلاق النار في سوريا، ويشارك فيه إلى جانب روسيا وتركيا وإيران وفدان سوريان إحداهما يمثل نظام بشار الأسد والآخر يمثل فصائل المعارضة السورية، وإلى جانب هذه الوفود الخمسة يحضر ممثل الأمم المتحدة وممثل عن الأردن وآخر عن الولايات المتحدة الأمريكية، والثلاثة يحضرون بصفة مراقب، كل من ذكرتهم - طبعاً باستثناء الوفد الروسي- فوجئوا بعرض موسكو باقتراح إقامة أربع مناطق هادئة تشمل محافظة إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية وجنوب سوريا.
وسوف يُمنع في هذه المناطق استخدام أي نوع من أنواع الأسلحة بما فيها طائرات النظام، مع إمكانية إعادة تهيئة البنية التحتية وتوفير متطلبات الحياة اليومية للناس من خلال إيصال المساعدات الإنسانية.
الخطة الروسية التي قُدِّمتْ لخبراء الدول المشاركين في مؤتمر إستانة سواء الدول الرئيسة الثلاثة الضامنة (روسيا وإيران وتركيا) أو الوفدين السوريين ووفود المراقبين الثلاث لم يظهروا اعتراضاً على بنودها، وظهر ميل لتأييدها بعد توضيح دور الدول الثلاث الضامنة، خصوصاً من خلال المشاركة في إنشاء خطوط فاصلة على طول حدود المناطق المذكورة مع إمكانية إنزال مجموعات عسكرية من الدول الضامنة لتطبيق خطة المناطق.
ويتساءل وفد المعارضة السورية وحتى الممثلون الدوليون للأمم المتحدة وأمريكا والأردن إضافة إلى ممثل تركيا عن مدى التزام إيران ونظام بشار الأسد والمليشيات الطائفية وبالذات ميليشيا حزب الله في عدم استعمال السلاح في المناطق الأربعة التي هي بؤر القتال الحالي في سوريا، إذا ما استثنينا المناطق التي يوجد فيها تنظيم داعش والمعارك التي يخوضها معه التحالف الدولي.
المعارضة السورية وطبعاً كل من يعمل من أجل وقف نزيف الدم في سوريا لا يعارض هذا الاقتراح بشرط أن يضمن الروس التزام حليفهم نظام بشار الأسد بتنفيذ بنوده، كما عليهم فرض التزام صارم على قوات إيران ومليشياتها الطائفية التي ترتكب يومياً مئات الخروقات والآثام بحق السوريين.
وإذا ما استطاعت موسكو تحقيق ذلك فستكون قد فاز بسباق المناطق مع أمريكا، ولا يهم السوريين إن سُمِّيتْ بمناطق هادئة أو آمنة، بل المهم أن يتركوهم ليعيشوا فيها دون أن ينالهم الموت.