د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** ماذا يسبق ماذا؟ أهي الحرية أم الوعي؟ وما الذي يحرك التأريخ؟ الإنسان أم المجموع؟ وما دور الأدلجة في تكوين المشروعات الحضارية أو تقويضها؟
** تتصاعد الاستفهامات فتبدو الإجاباتُ عسيرةً وربما أسيرة، وإذا اتفقنا «أو أغلبُنا» على سبق الوعيِ الحريةَ لا العكس؛ فكيف نبلغ الوعيَ الآذنَ بالحرية؟ وكيف نقيسُ محدداته؟ وماذا عمّن يزعمُ - فردًا كان أم جمعًا- بلوغَ مرحلة الوعي المنشود أو المفقود؟
** وإذ يبدو الوعيُ المحركَ الأهم لتحديد أُطر الحرية وأمدائها، وتسييج الإنسان باشتراطاتها، وتخليق الجماعات المؤثّرة، وتسيير الأدلجة كي لا تصبح صيرورة تحاكم وتتحكم ويغدو التأريخ مرتهنًا للأقوى فيها؛ فهل يكفي لتكوين الوعي معلوماتٌ وشهادةٌ ومنصبٌ وحضور مجتمعي؟
** ودون مضيٍ في التحليل والتعليل مراعاةً للحيِّز المتاح فالمؤكد أنها لا تكفي، بل لا يمكن عدُّها مؤشرًا على توفر الوعي ما لم تُدعم بمبدئيةٍ فاعلةٍ وضميرٍ يقظٍ وحضور ذهنيٍ وأخلاقي ونفسي وإنساني، وما لم يدرك الفردُ غد الأمة ويُراعِه في قوله وفعله وقراءاته واستقراءاته ولا يحبسه خوفٌ أو جهلٌ أو يدفعه إيثارٌ للتوجه ومراعاةٌ للتوجيه.
(2)
** عرض الناس «أو معظمُهم» عقولَهم على من شاء النفاذ داخلها وإدراكَ مكنونها، بل ربما تعدى الأمر ذلك إلى عرض الهواجس والأحلام والنوايا؛ فالأزرّةُ «الذكيةُ» قادرة على استنطاقٍ طوعيٍّ يخضع له الرقميون.
** لا معنى للإفاضة أكثر؛ فالصفحات الشبكية ميدانٌ لقياس المسافة بين الوعي والحرية وتقدير تحقق فروض الوعي قبل ادعاء تمثّله للأفراد أو للمجموع، وحين يتقدم التابع (الحرية) على المتبوع (الوعي) ففي الأمر إخلافٌ لمواصفات البناء الراسخ المطمئن القادر على التمييز بين الوعي التكويني والأوعية المستقبِلة كي لا يجيء الناتجُ فهمًا خاطئًا للحرية أو خلطًا لها مع الفوضى.
(3)
** صدر إعلان مكة يوم الفتح: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» فانعتق الإنسانُ يومها من رق البشر ميممًا وجهه نحو رب البشر، وهنا انفتحت مسامات الحرية دون أن تندلق أبوابُها؛ فقد بقي على الطلقاء أن يتحرروا من أهوائهم وشهواتهم وولاءاتهم وتناقضاتهم ، وهو سبيلٌ لإحراز الوعي القادر على ضبط الحرية، وكذا نفهم أننا في دائرةٍ مغلقةٍ محيطُها : معرفة الذات وتطهيرها، واستعادة التأريخ وفهمه، واستشراف الآتي والعمل له.
** وربما جاء الاستفهام الحاسم هنا؛ فهل كان الطلقاء أحرارًا قبل إعلان مكة؟ أم: هل كانوا أكثر حريةً مما أعقب الإعلان؟ والإجابة ستؤكد نظرية «الوعي قبل الحرية»؛ فالشهوات المطلقة وعبادة الأصنام « المادية والبشرية» تلغي إمكانات تكون الوعي وتنسف دعاوى الحرية بادعاء التحرر، ويتبع السؤال سؤالٌ أهم؛ فهل نحن بوعي؟
(4)
** التمني لا يخلق وعيا.