محمد أبا الخيل
يعد البحث العلمي من أهم نشاطات التعليم العالي، ومن أهم معايير تقييم الجامعات، بل هو أحد المؤشرات المهمة للتقدم الحضاري لدى الأمم، فمعظم الأمم المتقدمة تدعم أو تمول البحوث العلمية وتمنح الشركات التي تدعم البحوث خصومات في الضرائب ومميزات أخرى تفضيلية، وقد أصبح مقياس ما ينفق على البحث العلمي سنوياً نسبة لإجمال الناتج المحلي أحد المقاييس الاقتصادية المهمة التي تعتبر أحد حوافز الاستثمار، معظم البلدان المتقدمة يشكل البحث العلمي ما نسبته بين (1 إلى 2.5 في المائة) من إجمالي الناتج المحلي، ولكن في عالمنا العربي والخليجي على وجه الخصوص لا يصل إلى (0.1 في المائة) من إجمالي الناتج المحلي، هذا الضعف في البحث العلمي لدينا له عدة أسباب من أهم تلك الأسباب ما هو هيكلي يتعلق بعدم أو ضعف وجود بيئة حاضنة وبنية نظامية وما هو كفائي يتعلق بالقدرات والكفاءات والمهارات البحثية.
في المملكة العربية السعودية يوجد ما يقارب (120) مركزا بحثيا معظمها في الجامعات الحكومية، وقليل منها في الجامعات الخاصة أو هي مراكز خاصة مستقلة بذاتها، وإن كان هذا العدد يعتبر قليلاً جداً لدولة يضعها حجم اقتصادها ضمن دول العشرين، إلا أن الناتج البحثي من هذه المراكز أيضاً ضئيل ومتواضع نوعياً، وفي كثير من الأحيان غير موجّه لمنفعة ظاهرة، قد يقال إن هذا الحكم على الناتج البحثي في المملكة قاسٍ، ولكن هذه حقيقة ماثلة للجميع، والدليل أن معظم البحوث التي تنتجها مراكز البحث الجامعية في المملكة تنتهي في مجلدات تتزين بها رفوف مكتبات الجامعات السعودية وقد يطول الزمن بها دون أن يهتم أحد بما تحتوي.
البحث العلمي في المملكة ضعيف لضعف البيئة البحثية الحاضنة، فالباحث في الجامعات السعودية يعاني من تسلط الكادر الإداري الجامعي، وأقصد بذلك إدارة الجامعة ومفاهيم المنفذين لها، فالبحث في مفهومهم ترف على حساب العبء التدريسي وهو الأهم لديهم، فقليل من الجامعات السعودية لديها وكالة مستقلة بالبحث العلمي، وإن وجدت فعادة ما يقرن بالدراسات العليا وهي عملية توليد الكادر التدريسي للجامعة، لذا يصبح جل عمل الوكالة هو الدراسات العليا.
وعندما يريد الباحث في الجامعة دعم تلك الوكالة يصبح الدعم -أحياناً- إعاقة، فليس لدى الوكالة مؤهلون بدعم العمل البحثي أو تيسيره مما يجعل الإعاقة هي الحل الأمثل للخلاص من المسؤولية.
البحث العلمي لدينا ضعيف لضعف البنية النظامية التي تحكم البحث كعملية إجرائية أو تلك التي تحكم البحث كنتيجة، فمعظم الجامعات السعودية ليس لديها لائحة نظامية وقانونية تحكم البحث من حيث التمويل والمسؤولية والحقوق، وليس لدى وزارة التعليم لائحة في هذا الخصوص تعتبر معيارية، كما أن المفهوم الشرعي المعمول به في المحاكم السعودية للحقوق الفكرية، ما زال يمثل إعاقة لتسجيل أي بحث علمي له نواتج اقتصادية تستحق الحماية من التعدي، هذا الأمر يجعل البنية النظامية في المملكة غير مشجعة للبحث العلمي.
والبحث العلمي في معظم الدولة العربية بما في ذلك المملكة العربية السعودية ضعيف ضعفا كفائياً بمعنى أن معظم الباحثين غير مؤهلين كفائياً نتيجة لسبب أو أكثر من الأسباب التالية: ضعف التأهيل والتحصيل العلمي، ضعف القدرة المنهجية على البحث لوجود عوائق فكرية أو مفاهيم راسخة تحد من قدرة الباحث على التحرر منها عندما يتعلق البحث في معالجة مصداقية فكرية، ضعف الدعم المعرفي لضعف القدرة على الاطلاع على مصادر معرفة أجنبية نتيجة لمحدودية إتقان لغة أجنبية أو ضعف الدعم من مراكز الترجمة المحترفة التي تندر إن لم تكن معدومة أصلاً.
معوقات البحث العلمي في بلادنا كثيرة وأنا اخترت إيضاح ما هو واضح أما المعوقات الأخرى والكامنة في المفاهيم التي تحكم المجتمع، خصوصاً ذوي التأثير وآليات تمويل البحث وتأهيل المرافق والتعامل مع النواتج، سواء كانت مادية أو أدبية، فتلك يضيق هذا المقال في الإشارة لها فهذا المقال هو تسليط متواضع على ما يعيق البحث العلمي في بلادنا وتحفيز لذوي الصلاحيات والسلطات الموكلين بتحقيق رؤية المملكة (2030)، أن ينظروا فيما يجب أن يتخذ لتشجيع وتمكين البحث العلمي، ففي نظري أن الصورة (2030) ناقصة بدون وجود البحث العلمي حاضر فيها وبوضوح.