«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
أول مرة شاهدت سوق البطحاء كنت أيامها في المرحلة الابتدائية حيث كنت ضمن رحلة مدرسية. ومازالت بعض صور تلك المشاهد ماثلة أمامي الآن وأنا أكتب هذه الإطلالة، وكيف كان الناس أيامها يتجمعون حول بالات الملابس المستعملة القادمة إلى هذا السوق العريق من بعض الدول التي يورد بعض تجارها لتجار البطحاء الذين يتعاملون مع هذه النوعية من البضائع. في زمن صعب.
وسبحان الله. هاهي البطحاء اليوم وكل يوم تصدر إلى الخارج مئات البضائع إلى دول عربية وأجنبية خاصة دول آسيا وافريقيا. حيث يتردد الآلاف من العمالة العاملة في المملكة لهذا السوق الأشهر وحتى الأرخص. هاأنذا أقف في أحد أروقة سوق البطحاء والدهشة تحيطني إحاطة السوار بالمعصم وتثير في نفسي العديد من المشاعر حول هذا السوق الذي يدر الملايين على أصحاب محلاته ومتاجره وحتى باعة البسطات المختلفة والمتواضعة. وعندما شاهد بعضهم الكاميرا في يدي وأنا أحاول التقاط بعض الصور لمعروضاتهم لم يترددوا ان جمعوا بضاعتهم وولوا هاربين.. مضت ساعة من الزمن وأنا أتجول داخل أروقة أو أقسام هذا السوق التي تتجه ذات اليمن وذات الشمال زاخرة بمختلف ما لايخطر على البال والخاطر. بضائع متنوعة جاءت من أقصى دول العالم، لكن والحق يقال نسبة كبيرة من هذه البضائع من النوع الذي يطلق عليه بضاعة (النصف كم) أو حتى المغشوشة والمقلدة أو بضاعة ليست ذات جودة ومواصفات عالمية، ومع هذا تجد عليها اقبالاً كبيراً من قبل العمال البسطاء والذين تناسبهم أسعارها المعقولة وبالتالي، يكون في قدرتهم شراؤها. وهذه الاسعار عزز من وجود العشرات من المحلات المتخصصة في كل شيء. الملابس الساعات العطور المواد الغذائية حقائب السفر وحتى الفواكه والخضار التي تباع على عربات خارج المحلات، وفي الطريق وبأسعار لا بأس بها.
والمدهش أن هناك من يبيع بطاقات الهواتف الجوال (شاهر ظاهر) كما يقال وبأسعار تبدأ من 40 ريالا.؟! ورغم انني مضيت وقتا ليس بالبسيط خلال تجولي داخل السوق لكنني لم أشاهد مواطناً سعودياً يتسوق اللهم وقبل مغادرتي صادفت أحدهم وقبل أن أقترب منه كان قد سارع الخطى فقمت بتصويره كونه الوحيد الذي كان تواجد في السوق وقتها.
فالملاحظ أن البطحاء اليوم بطحاء مختلفة عن الماضي، حيث كان رواده جلهم من المواطنين. تجاراً أو باعة أو متسوقين.. واليوم العكس صحيح، أجانب وعمالة في كل زاوية وداخل كل حانوت، حتى رواد المقاهي والمطاعم والكافتيرهات هم عمالة من شرق آسيا وافريقيا، حتى وتشعر وأنت تتجول في هذا السوق بأنه سوق بات أجنبياً بل وتكاد لاتسمع اللغة العربية بين نشطاء السوق وباعة المحلات فهنا اللغات السائدة الهندية والاوردو والبنغلاديشية والانجليزية حتى ولو وجدت أحدهم يرتدي ثوباً سعودياً.
ومن الأشياء التي تلفت النظر ذلك الاقبال الكبير على مطاعم ومقاهي السوق والتي تخصصت في إعداد أطعمة دول شرق آسيا. فرواد هذه المطاعم كثر، وعندما سألت أحدهم عن سبب اهتمامه بهذه النوعية من الطعام التفت إلى السيد فيرغس وقال: انها تذكرني بطعام والدتي وزوجتى فهنا تتوفر الاطعمة والمأكولات والحلويات الهندية وأسعارها جداً مناسبة لي ولغيري..
وماذا بعد أن كبرنا وكبر السوق مثل كل شيء وتغير هذا السوق فزداد عافية لكنه بات يتقن ويتحدث اكثر من لغة وباتت عضلاته الاجنبية تتحكم فيه. حيث تشم رائحة (مافيا أجنبية) تسيطر عليه وتدير نشاطاته. عبر كواليس التستر اعترفنا بذلك أو أنكرناه.