محمد سليمان العنقري
تحسنت النظرة لقطاع التجزئة والمصارف بعد عودة البدلات التي جاءت بالاوامر الملكية الكريمة قبل أيام قليلة مما اعاد تقييم النمو ايجاباً بالاقتصاد من قبل ادارات الابحاث الاقتصادية التابعة للمؤسسات المالية، فقطاع التجزئة يعد من اكبر القطاعات نمواً وتوظيفاً بالاقتصاد المحلي حيث بلغ متوسط نموه بالسنوات الاخيرة حوالي ثمانية بالمئة سنوياً ويوظف قرابة 1،9 مليون عامل منهم 18% تقريباً من المواطنين.
واذا كانت عودة البدلات قد اعطت زخماً وحيوية للاقتصاد ودعما لتحسين نموه الذي سيتاثر سلباً هذا العام مع استمرار خفض كمية انتاج النفط بسبب الاتفاق مع دول اوبك والمنتجين من خارجها حيث توقع صندوق النقد الدولي ان ينمو اقتصاد المملكة الكلي لعام 2017 بنسبة 0،4 % وسيكون اداء القطاع الخاص افضل من العام الماضي الذي شهد ركوداً قاسياً بنمو القطاع عند 0،11 % لكن هل تحسن اداء قطاع التجزئة واطمئنان المستثمرين بأن القطاع المصرفي قد يعود لرفع وتيرة الإقراض مع انخفاض كبير بنسب التعثر المحتملة من الافراد بعد عودة البدلات لهم ستكون كافية لتنعكس إيجاباً على بقية القطاعات، وبذلك نرى تقييماً جديداً لتوقعات النمو الكلي من قبل صندوق النقد او اي جهة ذات ثقل كبير بتقديرات نمو اقتصاديات الدول ؟
الجواب على ذلك بالتأكيد بالنفي فما ستشكله عودة البدلات سيبقى وضع النمو عند مستويات منخفضة وان كانت ستتحسن قليلاً، لأن الاقتصاد اعتاد لسنوات طويلة على الانفاق الحكومي الذي تقلص بنسبة كبيرة جداً بعد تراجع اسعار النفط خلال العامين ونصف الماضية مما يتطلب خططاً تحفيزية استثنائية ذات اثر سريع ومتوسط الاجل لان هذا الركود بنشاط الاقتصاد فاقم من مشكلة البطالة بارتفاعها الى 12،3 % من حوالي 11،6 % قبل عام تقريباً وبما ان مؤشر البطالة يعد اكبر المؤشرات لتقييم أي خطة اقتصادية او تقييم للحالة التي يمر بها اقتصاد اي دولة فإن اي تحفيز يعتمد لابد أن يضع تخفيض البطالة اساساً لتوجهاته، وقد اعلن عن برنامج دعم القطاع الخاص بحوالي 200 مليار ريال بصيغ عديدة جلها تمويل لكي تنشط قطاعات مستهدفة كالتعدين والسياحة وغيرها على مدى اربعة اعوام قادمة الا ان قياس اثار ذلك لم تتضح بعد كون البرنامج لم تعلن تفاصيله وإذا كان تركيزه على الصناعة فهذا يعني ان الاثر سيأتي بعد مدة زمنية طويلة، أما القطاعات الخدمية فهي تتطلب لنجاح تاسيسها أن يكون الاقتصاد بحالة جيدة ولا يقع تحت ضغط الركود الاقتصادي.
وبذلك فان محفزات النمو لابد أن تتركز حول عودة الانفاق الحكومي الموجه لتنشيط قطاعات حيوية مع استكمال صرف مستحقات المقاولين والموردين؛ لأن ذلك سيعيد النشاط للطلب بالقطاع الخاص ويحسن من اداء الكثير من القطاعات ويعيد الثقة بين مكونات قطاع الاعمال بعد تأخر سداد المستحقات فيما بينهم وتأخر سداد الرواتب للعمالة بالعديد من المنشآت الخاصة ولعل من ابرز المشاريع التي تحفز على تسريع وتيرة النمو الاقتصادي هي بقطاعات الاسكان والبنية التحتية بمختلف الاحتياجات خصوصا اذا تم التوسع بشبكة النقل وعلى راسها القطارات وكذلك مشاريع الطاقة المتجددة.
كما ان اعادة النظر ببرامج رفع الدعم عن اسعار الطاقة والمياه واعادة جدولته لمدة زمنية اطول له اثر ايجابي مهم اذ لا يمكن توقع اثر بسيط لارتفاع التكاليف على الاقتصاد خصوصا الفرد والقطاع الخاص بفترة يعاني بها الاقتصاد من ركود اجمالاً او قد يسميه البعض تباطؤ حاد بالنمو ، فالدول عادة تتجه بمثل هذه الظروف الى خفض الضرائب او تقليل الرسوم او خفض التكاليف كأسعار الطاقة وغيرها من اي تكاليف تؤثر سلباً في طريق استعادة النمو للاقتصاد وبذلك من المنطقي مناقشة قرار رفع اسعار الدعم من الجهات المختصة وتأخيره او جدولته بما يدعم عودة النمو للاقتصاد مع بقية المحفزات المطلوبة لذلك
الاقتصاد المحلي حقق مستويات نجاح كبيرة خلال السنوات الماضية وصل حجم الناتج المحلي للعام الماضي عند 2581 مليار ريال محققاً حوالي اربعة اضعاف حجمه قبل عشرون عاماً ومن المقبول ان يتاثر سلباً بإنخفاض أسعار النفط لكن مع وجود سلسلة حلول كثيرة وامكانيات كبيرة يمتلكها الاقتصاد المحلي فإن استعادة الزخم للنمو تصبح قراراً يسيراً ويحقق منفعة ومصلحة كبرى تنعكس بزيادة التوظيف وخفض البطالة وجذب الاستثمارات للاقتصاد والمساهمة بتحقيق اهداف رؤية 2030 م ودعم انجاز البرامج التابعة لها التي اعلن عنها قبل يومين بقصد ضمان الانتقال بالاقتصاد الوطني لمرحلة افضل باستدامة النمو والتنافسية محلياً وعالمياً.