هدى بنت فهد المعجل
كثرت مؤخراً عبارة فلان مريض مرضاً نفسياً، أو فلان أقدم على ارتكاب جريمة ما وبعد البحث والتقصي اتضح أنه مريض مرضاً نفسياً.. الأمر الذي يجعلنا نتساءل ما تعريف المرض النفسي..؟ أو ما ثقافتك حيال هذا المرض؟
الجواب هو حالة نفسية تصيب تفكير الإنسان، أو مشاعره، أو حكمه على الأشياء، أو سلوكه، وتصرفاته إلى حد يستدعي التدخل لرعاية هذا الإنسان، ومعالجته في سبيل مصلحته الخاصة، أو مصلحة الآخرين من حوله.
رعاية هذا الإنسان..!! إذاً أليس من وسائل رعايته توفير المخدع، والغرف، والمكان الآمن..؟! رعاية هذا الإنسان ضرورية جداً فهو يندرج ضمن الضعفاء حين يفقد القدرة على إدارة حياته ويعجز عن التكيّف مع الظروف المحيطة به بسبب مرضه.
فكلنا يدرك أن المرض النفسي يؤثّر على وظائف مهمة مثل الوعي، والإدراك، والتمييز، والإرادة، والحكم على الأمور، والاستبصار، والقدرة على اتخاذ القرار، والحالة الوجدانية، والسلوك، مما يتطلب تدخل الأسرة والمجتمع في الحماية والوصاية أسوة بما كانت عليه الدول قديماً من رعاية المرضى النفسيين والحفاظ على حقوقهم.
في الوقت الذي كان المريض النفسي يعامل بقسوة في أوروبا فيربط بالجنازير ويضرب ويحرق بالنار، قام الخليفة الأموي (الوليد بن عبد الملك) بتأسيس أول بيمارستان للمرضى العقليين بدمشق سنة 93 هـ (707 م)، وكانت تخصص لهم جريات تنفق عليهم للعيش داخل البيمارستان وخارجه. وفي سنة 151 هـ (765م) أسس العباسيون في بغداد أول قسم مخصص للأمراض العقلية، ثم نسجت على منواله جميع العواصم الإسلامية في الشرق والغرب، وكان أشهرها مستشفى قلاوون في مصر والتي كانت تحوي قسماً للأمراض العقلية جنباً إلى جنب مع التخصصات الطبية الأخرى، وقد دفع ذلك الأخوة (سان جان دي يو) (Saint Jean de Dieu) في أوائل القرن الخامس عشر إلى بناء أول مأوى أوروبي للأمراض النفسية بفلنسيا (Valence) على مثال البيمارستان الذي بني بالقاهرة سنة 705 هـ (1304 م)، ثم انتقل الأخوة (سان جان دي يو) إلى فرنسا وشيدوا مأوى شارنتون (Charenton) بطلب من الملكة ماري دي ميدس (Marie de Medicis) - نقلاً عن المجلة الطبية لاتحاد الأطباء العرب، صفحة 5، 6، 7.
اهتم العرب والمسلمون بتزيين المستشفيات العقلية بالنافورات والحدائق، اهتموا بغذاء المرضى وحسن معاملتهم، واعتبروا ذلك واجباً دينياً ومجتمعياً. فهل يسقط من هذا الواجب تجهيز النوافذ بصورة تلائم وضع المريض وصحته!! للمريض النفسي حقوق ينبغي للأمم أن تقف عليها وتتابعها حتى يحصل عليها كاملة غير منقوصة أسوة بأي مريض عضوي نرجو له الشفاء.. حيث لا بد من قانون يحمي تلك الفئة من المرضى. يكفينا ما نحن عليه من الخجل في الإخبار عن وجود مصاب نفسي في حين لا يعيرنا كون فلان مريضاً بأي مرض آخر عضوي.. علماً بأن المرض النفسي يقع على أهم جزء في الجسد وإن لم نره. إذاً لا بد من التوعية الكافية للمجتمع بالمرض وتثقيفه كي لا يمارس العلاج على استحياء.. ويكفي أن نرى ونشاهد تمدد وانتشار عيادات كافة الأمراض العضوية وغياب عيادات ومستشفيات الطب النفسي أو وجودها ولكن بوسيلة ملتوية حتى تم الربط بين المرض النفسي والجنون.. لذا ينبغي التوعية والتوعية الشديدة ونحن نلمس كثرة المصابين به وقد تتجاوز النسبة الـ20 % طالما أن المسببات موجودة مثل التفاعل المعقّد بين الاستعداد الوراثي والضغوط النفسية والبيئية. مع حدوث بعض التغيّرات في الهرمونات العصبية في الدماغ من ناحية الكم والكيف. وقد يكون لوجود بعض التشوّهات الخلقية في المخ أو تلك التي تحدث أثناء عملية الولادة دور في ذلك إلاّ أن للعوامل الوراثية دوراً ملحوظاً في أكثر الأمراض العصبية والوجدانية والعقلية... فهل نلتفت للمرض التفاتنا لأنفسنا..؟!