عروبة المنيف
إن التغيير من السنن الكونية، والإيمان به هو الحافز الحقيقي لاستمرار عملية التحسين والتطوير، وبدون عملية التغيير والتطوير والتحديث سيبقى الظن سائدًا بأن حياتنا بكل تفاصيلها هي الأحسن والأجمل والأفضل. وتلعب الأمثال الدارجة دورًا كبيرًا في ترسيخ حالة المجتمع السلبية في رفض التغيير. من تلك الأمثال الدارجة في تراثنا مقولة «الله لا يغير علينا»! التي تعني الرضا التام بالوضع القائم، وتشمل الرضا بجميع القضايا، وأخص هنا القضايا السلبية التي ترسخت في عقل المجتمع وكيانه، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والانتظار إلى أن تبدأ شرارة التغيير بالاشتعال من نفسها هو مؤشر سيئ ليصبح همنا فقط هو إطفاء تلك الشرارة.
إن التحركات في سبيل التغيير الإيجابي المرجو تقلل من شرارات الحرائق التي من الممكن أن تندلع إذا لم نستطع التعامل مع العصر وتطوراته.. ولندرك أن التغيير والتحديث سُنة كونية، فعلى سبيل المثال نشرت الصحف مؤخرًا مؤشرات تبيّن ارتفاع حالات التبليغ عن «العنف ضد الأطفال». والملاحظ من تلك البيانات أن حالات التبليغ عن العنف ضد الأطفال قد ازدادت في عام 2014 عن عام 2013 إلى الضعف تقريبًا «من 180 حالة إلى 348 حالة». وبالرجوع إلى أسباب تلك الزيادة المضاعفة تبيّن أن القفزة حدثت بعد صدور «نظام الحماية من الإيذاء» مباشرة.
هذا التغيير المفاجئ في نِسب التبليغ عن «العنف ضد الأطفال» كان متوقعًا؛ فقد ساد الاعتقاد سابقًا بأن العنف ضد المستضعفين من النساء والأطفال ما هو إلا قضية أسرية، لها خصوصيتها! ولها تداعياتها الاجتماعية والدينية والثقافية، فحالات العنف كانت موجودة في الأصل قبل صدور النظام، ولكنها كانت خاملة، لا ندري متى ستندلع شرارتها، ولكن عندما سنت الدولة النظام الكفيل بحماية أفراد الأسرة من المستضعفين من النساء والأطفال ساهم ذلك النظام في تغيير المعتقدات والأعراف المجتمعية السائدة، وتوجه التفكير إلى الإيمان والثقة بالقوانين والأنظمة، وبدورها في حماية الأسرة؛ فازداد الوعي الحقوقي، إضافة إلى أن كفاءة آليات التبليغ، وتحسين الخدمات المقدمة من الجهات المعنية بمباشرة الحالات جميعها عوامل ساهمت في ارتفاع نِسب التبليغ، وفي ارتفاع ثقة المستضعفين بالنظام، وبجدية القائمين على حمايتهم.
من المتوقع أن يزداد عدد حالات التبليغ في السنوات القادمة، وهذا وضع طبيعي؛ لأنها زيادة ليست فعلية بقدر ما إنها كشفت عن حالات موجودة فعلاً مستترة وخاملة، ظهرت على السطح نتيجة لازدياد ثقة المجتمع بالقوانين، وبكفاءة تطبيقها على أرض الواقع؛ ما ساهم في تسليط ضوء أكبر على المشكلة؛ وبالتالي حصد المزيد من الحالات. وهذا يحدث في الكثير من الظواهر المجتمعية السلبية إلى أن تصل إلى مرحلة الاستقرار. تلك التحركات في سن القوانين تفادت شرارات التغيير التي لا نستطيع التكهن بتداعياتها الخطيرة.