أمل بنت فهد
بقدر ما تتسع مساحة الحرية تكبر معها الحاجة للقوانين.. ليس لكبحها.. إنما القانون هو شرح الحدود التي تتوقف عندها الحرية وتتغير معالمها وتتحول تماماً.. لأن العيش بحرية من كمال النضج.. فهي تضع الإنسان أمام المسؤولية الشخصية عن أفعاله وأقواله.. لذا هي لب الاستقلال وكمال العقل والحكمة.
وكلما عاشت المجتمعات بحرية.. فإنها تتعلم مع الوقت كيف تعيشها وتستفيد منها.. ولا شك بأنها ستخطئ.. وتتجاوز.. وتُعاقب.. والنتيجة أنها تتعلم شيئاً فشيء وتصبح ثقافة وسلوكا وأمرا طبيعيا.. لأن الحرية فعلاً أمر طبيعي.. والقمع والوصاية والتكميم.. مجرد أسلحة للتسلط والسيادة والزعامة.. وحين نخالف الطبيعة فإنها تفرض نفسها بالقوة مهما طالت بها مراوغة الترقيع والقص واللصق والتخويف والتهديد.. ستبقى الطبيعة في مسارها ولسوف تجرف في طريقها كل من يحاول حبسها.. أو احتكارها لنفسه.. هكذا هي الطبيعة حين تكون كامنة فإنها تعد بالغضب والهجمات المباغتة.
وحرية الرأي باتت للجميع دون استثناء.. لأن المنابر مجانية وأكثر من كثيرة.. وما يحدث في الوقت الحالي من تجاوزات النقد والقدح والشتم أمور متوقعة.. ليس لأن حرية الرأي خطأ.. إنما لأنه أمر جديد.. فالبعض لم يفرق بعد بين «سوالف المجالس» والتحدث إلى العالم كله.. والبعض الآخر يجهل كيف يتكلم.. ومنهم من لا يعرف كيف يفصل بين الفكرة وشخص القائل.. وأكثر من ذلك.
نحن لا نزال في ألف باء (الرأي العام) صوت الشعب الذي يستطيع أن يغير.. يستطع أن يواجه.. يستطيع أن ينقد.. يستطيع أن يكافح.. يستطيع أن يقاوم.. يستطيع أن يصنع تكتلات تغير الموازين.. ورغم ذلك نحن في الطريق الصحيح.. لأنها البداية.. ومن صفات البدايات أن تكون مرتبكة.. فوضوية.. مترددة.. لكنها لا تعطي نتيجة حاسمة.. لأنها بداية.
من راقب الوضع في أول بداياته يلاحظ أن صوت الشعب كان مبعثراً.. وطائشاً.. وليس له وجهة محددة.. لكن اليوم هو أفضل بكثير.. بدأ يؤمن بقوته.. وبات يفهم قدرته.. باختصار بدأ ينضج.. وإن كانت الخطوات بطيئة إلا أنها مُبشرة.. لأنها طبيعية.. نحن في دورة التعبير عن الإرادة الشعبية.. سنتعلم أكثر.. وتنحسر مع الوقت وبالقانون أيضاً فئات فقراء الحوار.. فقراء الأدب.. المهرجون.. الشتامون.
مع الوقت سيدرك صوت الشعب معنى نقد الرأي والقرار.. دون المساس بشخص أحد.. سيتعلم كيف يوجه المصلحة الخاصة لتخدم المصلحة العامة.. سيتعلم كيف يقول رأيه دون أن يفقد الأدب والهدوء.