فوزية الجار الله
إذا كان إدمون عمران المليح كاتباً جيداً، مناهضاً للاحتلال الإسرائيلي مؤيداً للقضية الفلسطينية، فلماذا لم يكن مقروءاً من قبل الكثير من قراء الوطن العربي، طاف هذا السؤال بذاكرتي وعليه فقد استغرقت في البحث عن إجابة شافية، خلال هذا البحث وجدت الكثير من الحقائق والمعاني والكلمات الجميلة التي كُتبت حوله وعنه، أقام الكاتب خمساً وثلاثين عاماً في فرنسا ما بين عامي 1965م و2000م، وقد كتب جميع رواياته باللغة الفرنسية، هذا ما يقوله عنه الكاتب معن البياري، وهو كاتب أردني، يتابع قائلاً: (.. وقد يكون هذا من أسبابِ عدمِ حظوته، أدباً وحضوراً، في فرنسا. وحَدَثَ أنَّ دار «لوسوي» رفضت نشر إحدى رواياته، بدعوى أنّها تتضمّنُ معاداةً لليهود، لمجرد أنها تتطرّقُ بين وقائِعها إلى مذبحةِ صبرا وشاتيلا).
أما صديقه الكاتب المغربي د. محمد برادة فيقول:
(جاء إدمون عمران المليح إلى الكتابة مزوداً بالتجربة السياسية والثقافة الواسعة، وحب الوطن والافتتان بالدارجة المغربية التي تشرّب من خلالها ثقافة عشيرته اليهودية المنغرسة في المغرب منذ مئات السنين. لم يكن همُّه، إذاً، أن يبني مجداً بالقلم أو أن يُراكم ثروة، وإنما كانت الكتابة عنده، وقد بلغ سنّ النضج والكهولة، استمراراً لمعركته النضالية من أجل مغرب جديد وفلسطين محررة، لكن من موقع آخر وبأدوات مختلفة ورؤية جذرية تريد أن تقول ما قد لا يستطيع الخطاب السياسي قوله).. يتابع د. محمد برادة قائلاً متحدثاً عن مساهمة المليح بالكتابة قائلاً بأنها تأتي تشييداً وتدعيماً لمفهوم مغاير للأدب والكتابة. تأتي لتقول لنا، بين ما تقوله: لا نكتب لنشهد فقط على حدث أو تاريخ، أو لنحقق مبيعات أكثر، أو متقصّدين التغيير المباشر أو دعم الحزب والأيديولوجيا، وإنما لنجعل من الأدب سؤالاً جذرياً ومجالاً لإسماع صوت الذات، وأفقاً لاستدراج المستحيل.
توفي الكاتب عام 2010م وهو في الثالثة والتسعين من عمره وقد أجريت معه الكثير من اللقاءات والحوارات، قال إدمون عن نفسه إنه يكتبُ بالفرنسية، غير أنَّ لغتَه لا تشبهُ لغةَ الفرنسيين، ويمكنُ اعتبارُ هذا الأمر من أسبابِ محدوديةِ قراءة إدمون عربياً، ذلك أنَّ الحضورَ الشعبيَّ المغربي، وبالعاميةِ المبثوثةِ في النصِّ الفرنسيِّ أحياناً، كان وفيراً في أعمالِه.
وختاماً.. قال عنه معن البياري (يستحق هذا الكاتب الذي من طينةٍ استثنائية، بحسب أحد مؤبنيه، أنْ نقرأَهُ ونتعرفَ إلى سردياته، فهو مغربيٌ يهوديٌّ مضيء. وفي وسع المؤسّسة التي تحمل اسمَه، وتمّ إطلاقُها في الرباط صيف 2004 أنْ تنهضَ بواجبِ تيسيرِ كتبِهِ للجمهور العربيِّ العريض، وتوفيرِ محاوراتِه وتأملاتِه في غيرِ قضيةٍ ومسألة، لحمايةِ مُنجزِه من النسيان والتجاهل..).