إحدى القواعد الكيميائية تقول: «إن كل عنصرين متشابهين يتنافران وكل عنصرين متنافرين يتجاذبان» تنطبق هذه القاعدة على أغلب ما نراه في حياتنا اليومية بشكل أو بآخر.
التعامل بين المرأة والرجل يختلف عنه بين الرجل والرجل أو المرأة والمرأة لا لشيء إلا أنهما مختلفان في الجنس فهما في الواقع المنطقي متجاذبان طبيعيًا بواقع حاجة كل منهما للآخر لتسديد اكتماله الحيوي والفطري بينما نرى أن العلاقة بين المرأة والمرأة يشوبها التنافر مثلما هي العلاقة بين الرجل والرجل، التنافر لا يعني العداء أو الخصومة ولكن يعني وجود التنافس الفطري الخفي للإنسان مهما حاولنا اخفاءه وتجاهله.
هذا التنافر بين الجنس البشري مع جنسه موجود طبيعي يتلون بعناوين مختلفة حسب الحالة والحاجة، فهو في أحيان زمالة وأحيان صداقة وأحيان مصالح وأحيان حذر وأحيان حيطة وأحيان أخلاق وكلها في الواقع ستر للتنافس الفطري بين العقول في تحقيق المصالح والمكاسب، فالعلاقة بين الطبيب والطبيب هي نفس العلاقة بين الضابط والضابط وبين الوزير والوزير ومأمور السنترال ومأمور السنترال وهكذا، فكل متساوٍ يتوازى في المسار الظاهر لكنه لا ينهي التقاطع التنافري الموجود طبيعيًا وإنما يستره ويحجبة مؤقتًا لتحقيق المصلحة الذاتية، لهذا نرى كثيرًا من الأحيان كيف تتبدل العلاقات الحميمية بين المتشابهين في المستوى حين ينفصل المسار المتوازي، بمعنى أنه حين يفقد أحد الطرفين وظيفته أو مركزه تختلف فورًا العلاقة المتجانسة بشكل فوري وتعود تلقائيًا التقاطعات التنافرية من جديد حتى وإن لم تظهر بشكل واضح بدليل أن العلاقة بين الرئيس ومرؤوسه وبين المديرة والمعلمة وبين التاجر والمستهلك لا تحجب التنافر الطبيعي إلا بنوعية مختلفة من العلاقات النفعية المستهدفة لتحقيق مكاسب ذاتية لطرف على آخر.
التشابة والاختلاف الداعي للتجاذب والتنافر تفاعلات طبيعية في العناصر التركيبية للأشياء والأمر ذاته ينطبق أيضًا على تفاعل الأفراد في تركيبة مجتمع ليس بنفس القدرة الطبيعية ذاتها بين الأشياء والإنسان فالأمر يختلف بوجود العقل لدى الإنسان الذي يعمل أي العقل كوعاء يحتوي التناقضات ثم يعمل على إنتاجها بشكل ملائم للحالة المرادة من خلال إدخال عناصر جزئية من الدوافع والاحتياطات المبوبة للمنتج في النسق الكلي المحكوم بضوابط وقواعد مسيطرة بقوة السلطة الجمعية على النزعة الفردية لتتناغم وتنسجم معها ظاهريًا وتستجلب المكاسب الذاتية المتولدة من حالة التنافر والتجاذب الطبيعية.
قاعدة التنافر والتجاذب بين البشر تستدعي التوقف والتأمل في طبيعته المتكونة من ذكر وأنثى أو حسب الطبيعة التركيبية سالب وموجب، سالب مع سالب يساوي سالبًا وموجب مع موجب يساوي موجبًا فقط سالب مع موجب تعطي نتيجة مختلفة، ذكر مع ذكر يساوي ذكرًا وأنثى مع أنثى يساوي أنثى أما ذكر مع أنثى فينتج مختلفًا، لنضع هذا في السلوك والعمل فسنرى أن حضور الرجل والمرأة في بناء المجتمع ولنقل الوطن وإن شئتم الأمة يحقق النتائج المثمرة، فالنتيجة الجيدة هي تلك التي تقدم شيئًا مختلفًا عن جنس تركيبته الجزئية وبمثال مختصر: ذكر+ أنثى = إِنسان.
(التمازج) في العمل والبناء اذن يحقق النتائج الجيدة وليس الفصل والعزل الذي يبقي النتائج من جنس المنتج، وباستحضار نظرية التنافر والتجاذب في كل عنصر سنجد أن التركيبة التنموية التي يسيطر عليها جنس بشري على حساب الجنس الآخر تشوبها الإعاقه الطبيعية ما يعني في النهاية إنتاجًا مكررًا وإن بدا في الظاهر الشكلي منتجًا إلا أنه من نفس نوعية المعطى وكأن الحال بمنزلة حلقة مفرغة نهايتها كبدايتها في محيط دائرة لا نقاط بداية أو نهاية فيها بمعنى المراوحة في نفس المكان مع عمل ضجيج لاستشعار دورة كعقارب الساعة.
وبالخروج من دائرة النظريات والتطبيقات إلى حال مجتمعنا العربي المسلم التائق لبناء نهضته والارتقاء لمصاف الأمم المتحضرة معتزًا ومفتخرًا بانتمائه القومي والديني فلا شك أن الرؤية الفلسفية وحدها لا تكفي للبحث في النزعة الإنسانية أو أنسنة الإنسان الغني بخلق ديني حاكم وموجه له، إِذ لا بد من رؤية دينية تتلاقح والرؤية الفلسفية لتأخذ الإنسان الفرد إلى الطمأنينة والفهم لحقيقة وجود الرجل والمرأة بالكينونة الإنسانية الثنائية الطبيعية للأشياء لتحقيق التفاعل الصحيح والسليم في البناء والتنمية المجتمعية لكن هذا ولكي يصل بنا إلى فهم صحيح يستوجب الخروج من القوالب في الحاضرة الذهنية إلى الفضاء الإنساني الفطري الطبيعي أو قل السليم القويم كما خلقه الله سبحانه وتعالى.
إن النظر إلى المرأة كأنثى للذكر فقط لا يخالف الحقيقة المعاكسة في أن النظرة الأخرى إلى الرجل كذكر للأنثى متساوية معها أيضًا لكن هذه النظرة وتلك تبقى قاصرة ودونية في النظرة للإنسان كإنسان وهو ما يستوجب علينا إعادة فهمه لبناء مجتمع راقٍ بأخلاقة وسلوكه دون أن نجعل من الشوائب عوائق ومن الشواذ قواعد.