مراكز المنافذ للحدود البرية للمملكة مع دول الجوار لا تعكس الواقع التنموي الحضاري الذي تشهده المملكة في كل المجالات، بالرغم من أن هذه المنافذ الحدودية هي بوابة التعريف بالمملكة لكل الزائرين خاصة على الطرق البرية من منافذ عديدة أشهرها الخفجي والرقعي وسلوى والبطحاء والحديثة وحالة عمار والوديعة. وسوف أذكر القارئ الكريم بما قدمته (نزاهة) من ملاحظات وهي انطباعات عبر لجانها لم تتحدث كثيراً عن واقع معاناة العابر بين هذه المنافذ سواء من المواطنين أو زوار المملكة، حيث يشعر غالبية مستخدمي هذه المراكز بالتذمر من بيئة العمل فيها وذلك من حيث:
- مظاهر الازدحام والفوضى الأمر الذي يشير إلى عدم كفاءة الأساليب الإدارية المنظمة لعمل هذه المراكز.
- غياب مفاهيم الصيانة والاستدامة في التشغيل حيث يلاحظ مظاهر تهالك هذه المنشآت.
- دورات المياه لا تتفق تماماً مع مفاهيم الاستخدام الصحي الآمن لها من حيث الروائح وعدم وجو أدوات النظافة الشخصية وتسربات المياه وتهالك أدوات الصرف الصحي.
أليست هذه المرافق الحدودية هي واجهة الزائر للمملكة؟ ولماذا نشاهد هذا الوضع المتردي في كل المنافذ الحدودية؟ وهل نعجز عن تطبيق مفاهيم الإدارة والتشغيل المستدام لهذه الأماكن؟
وتعدد مشكلات هذه المراكز أضحت مثل كرات الثلج التي تكبر مع الزمن حتى تصبح أكثر كلفة مادية في صيانتها إن وجدت.
في هذه المنافذ الحدودية لماذا تغيب المسطحات الخضراء التي تمكن المسافرين وعائلاتهم من قضاء أوقات للراحة حولها خاصة أثناء إجازات نهاية الأسبوع وفترات الازدحام التي تشهدها المنافذ وإعطاء المراكز البعد الجمالي والبيئة الصحية لأهمية الغطاء النباتي في بيئة الإنسان.
ويمكن الاستفادة من تدوير المياه الرمادية بأساليب تنقية أولية ليست عالية التكلفة لري هذه الأماكن.
المساجد في هذه المراكز يجب أن تكون أفضل حالاً من الواقع الذي يعكس إهمالاً شديداً في بيوت الله، وما زلت أطالب بأن تكون هناك معايير هندسية وتصاميم مناسبة للمساجد وآلية صيانتها، وكذلك الفصل التام لأماكن الوضوء عن دورات المياه المخصصة لقضاء الحاجة الأمر الذي يحقق أقصى مفاهيم الطهارة والنظافة للمسلم حتى يتمكن الجميع من استخدامها.
قد يرى بعض الناس أن عدم الاهتمام بهذه المواقع ناتج من كون هذه الأماكن مناطق عبور وقتية ولا تحتاج إلى هدر الأموال في البناء والتنمية لها، ولكن واقع المنافذ الحقيقي أنها بمنزلة واجهة المملكة للزوار القادمين والمغادرين والتي تصبح صورة ذهنية عن واقع العمل المؤسساتي في الدولة، إضافة إلى حق الجميع في أن تكون الخدمات والبنية التحتية لهذه المراكز في أفضل صورها لتأدية نشاطها بكفاءة لتحقيق الأهداف المرجوة من إنشائها.
ويختلف كل منفذ حدودي عن الآخر من حيث خصائص العابرين فيها من المغادرين والقادمين إلى المملكة، حيث تشهد بعض المراكز تكدساً في سيارات النقل والأخرى تشهد نشاطاً في زيارات الأفراد وعوائلهم خلال فترات السنة الأمر الذي يتطلب أنماطاً إدارية حديثة تتفق مع خصائص الإدارة في بعض المركز لتسهيل الإجراءات والعمل على الحد من مظاهر تكدس وسائل النقل فيها حتى وأن دعت الحاجة إلى تطبق رسوم على الخدمات لأن الأهم هو الجودة والسرعة في الإنجاز في هذه المراكز البعيدة نوعاً ما عن المدن الكبرى.
كما أن مفاهيم ترشيد الطاقة واستخدام البدائل كالطاقة الشمسية غائب تماماً في هذه المراكز بالرغم من أهمية تطبيق مفاهيم التنمية المستدامة في كل المرافق والإدارات خاصة في مجال ترشيد استخدام الموارد وحماية البيئة وإدارة النفايات وغيرها من المفاهيم الأخرى.
الخدمات الأخرى في هذه المراكز الحدودية هي مواقع تقديم الوجبات وهي مصممة بأسلوب غير مهني لتحقيق أهدافها، كما أن أسلوب إدارتها وتشغيلها أقرب ما يكون تماماً لما يقدم في القرى الفقيرة في بعض الدول الآسيوية، الأمر الذي يعطي تساؤلات مهمة حول أسلوب العمل في هذه المراكز، وكذلك محطات واستراحات الطرق الإقليمية وغيرها، وحيث إن الأمر يتطلب اعتماد نماذج ويتم الاختيار من أحدها لمن يرغب في استثمار هذه المواقع على غرار نماذج مطاعم الوجبات السريعة وغيرها، ويتم تحديد نوع الوجبات المقدمة فيها وأسلوب التخزين والنقل ومراقبة المخزون والتخلص من النفايات وفقاً لمفاهيم الإدارة البيئية السليمة لها، كما يجب أن يلحق بها دورات مياه مخصصة للمرتادين والتهوية الجيدة، وبذلك توجد ثقافة لهذه الأنشطة أكثر رقياً مما هو موجود في الواقع المحلي والذي يخضع لإدارة الوافدين البسطاء الذين يفتقرون لمفاهيم العمل المنظم.
ولو عملنا مقارنة بسيطة عن المراكز والاستراحات المشابهة لها كما هو موجود في أوروبا وواقعها في المملكة نجد البون شاسعاً لاختلاف الثقافة المؤسسية، وهي ظاهرة غريبة في المجتمع الذي يحتاج إلى التوجيه ولا يعمل إلا وفق نظم جزاءات وغرامات واشتراطات حتى يسعى لتطبيقها، حتى وإن نفذها فهو لا يدرك أبعادها التنظيمية ونتائجها لتدني الوعي بثقافة كفاءة الأداء ومفاهيم الجودة.
ويجب على الجهات ذات العلاقة أن تكون أكثر مرونة في التعامل مع واقع الأداء المؤسساتي المتدني في هذه المراكز، وأن تعمل وفق منهج التكامل مع الأجهزة الأخرى ذات العلاقة، وأن يتقبل الجميع الآراء والمقترحات البناءة لتطوير أداء هذه المراكز التي تمثل صورة ذهنية مستدامة لدى كافة الزوار والمغادرين للعمل المؤسساتي في المملكة.