جاسر عبدالعزيز الجاسر
هل أبعدتنا «الحداثة» عن أصالتنا بحيث لا نعلم عن أعرافنا العربية الأصيلة ولا نعرف عن مصطلح كان ولوقت قريب يتداول بين القبائل العربية.
نعم لم نعد نعرف عن تراثنا المتميز بل وحتى عن سلوكنا الذي كان المنجي لنا ولأهلنا عن ارتكاب الأخطاء وتحميل الآخرين أعباء تزيد من المشاكل والصعاب التي تحاصرهم.
العرب قديماً كانوا يبعثون بمواليدهم إلى القبائل ليرضعوا مع حليب المرضعات مكارم الأخلاق، وهذا السلوك الذي تميز به العرب لم يتأتَ اعتباطاً إذ العرب يعلمون أن القبائل العربية مخزون ثري للأخلاق وأن العربي الحر ينهل في «علم القبائل» ما لم توفره جامعات اليوم.
ومع أن الكثير من المعاصرين قد أوجدوا فروقاً بين حياتهم المعاصرة، وحياة أجدادهم بل وحتى آباؤهم، إلا أن الأمة بخير طالما بقي بين ظهرانيهم حكماء ورجال لهم ارتباط وتواصل تام مع جذورهم الثقافية والفكرية ينهلون من كنز الأصالة لينشروا الحداثة بسلوكهم المعزز بالحكمة.
الأمير خالد الفيصل أعادنا للماضي الجميل وذكرنا بالسلوك النبيل المعزز بالحكمة، فمن خلال عبارة لم يعد يعرف معناها الكثيرون حتى أبناء القبائل العربية التي كانت عرفاً متداولاً بينهم. «مقبولة وموفورة» من منكم كان يعرف معناها ومدلولاتها النبيلة قبل أن يوضح بيان إمارة مكة المكرمة المعنى والدلالات.
قليل، وقليل جداً، وهذا القليل هم من الحكماء الذين يختزنون معرفة الأصالة وحكم الأسلاف، وطبعاً خالد الفيصل منهم، فهذا الأمير يجمع بين الحكمة والفكر ورقة المشاعر ورهافة الحسّ، شاعر وفنان ورسام ومفكر، ولذا فليس مستغرباً منه أن يعيد لنا سلوكاً نسيناه بل افتقدناه كثيراً، رسّخه بعرف «بدوي» هو مخرج لكل مسؤول كبير يواجه إحراجاً من خلال تقديم الهدايا له والتي تتجاوز المقبول بل وحتى المنطق.
الأمير خالد الفيصل لم يريد أن يحرج بدوياً شهماً عربياً أصيلاً دفعته أصالته للتعبير عن حبه وتقديره لشخص الأمير خالد الفيصل ولإظهار كرمه الذي هو جزء من شخصية العربي، قدم ستين رأساً من الإبل، الرجل يبلغ من العمر ثمانين عاماً، ومثل من كان في سنه يجب إكرامه وعدم إيذائه، ورد الهدية في عرف العرب إهانة، إلا أن حكماء العرب أوجدوا حلاً طيباً وعرفاً تتداوله القبائل العربية وهو أن تقبل الهدية وتعيد إهداؤها إلى من قدمها.
«مقبولة وموفورة» يا لها من عبارة رائعة ترسخ سلوكاً نبيلاً لمن قُدمت له الهدية تحفظ كرامة وتعزز كرمه وتميزه.
هكذا هم العرب الأوائل وأهل القبائل العربية التي غابت أفعالهم وسلوكهم النبيل فعاد الأمير خالد الفيصل ليذكرنا بها، مضيفاً قصيدة جديدة، ولوحة رائعة لروائعه المستمرة.