أحمد المغلوث
قبل سنوات كنت قادما من تايبيه، عاصمة تايوان، وكنت في مهمة عمل خاصة ونزل في مطار بانكوك من الطائرة من نزل وصعد إليها العديد من العمال والعاملات القادمين من الفلبين واندونيسيا أكثرهم إلى المملكة، وبعضهم لدول خليجية.
وبعد مضي ساعة على إقلاع الطائرة شاهدت أكثر من واحد من المسافرين يقومون بتوزيع (كروت شخصية) على العمال والعاملات ويتحدثون إليهم باللغة الفلبينية وحتى الاندنيسية. وتصورت لحظتها أنهم يتبعون مكاتب الاستقدام أو أنهم المشرفون على سفرهم. وبعد ساعات من السفر ووصولنا إلى مطار دبي نزل البعض من المسافرين وصعد آخرون. وبعد اقلاع الطائرة من جديد تكرر نفس الشيء توزيع (الكروت الشخصية) على العاملين والعاملات الجدد.. وفي مطار الملك فهد بالدمام وعند حزام استلام الحقائب. لم أتردد أن سألت احدى العاملات عن الكرت الذي كانت تحمله صدفة في يدها عن فائدته وأهميته، وهل هو لمكتب سفر أو استقدام فارتبكت وبعد تردد قالت: إنه كرت خاص بأحد معارفي.! ولحظتها وصلت حقيبتي وحملتها ووضعتها في عربة الحقائب وتوجهت لنقطة الجمارك وأنا واثق بأنها لم تقل لي حقيقة (الكرت)..
ومع الأيام ومع هروب أحد العمال من مزرعة أحد أبناء عمومتي ثاني يوم من وصوله بعدما كان في انتظاره وبعد ان اصطحبه إلى السوق واشترى له كل ما قد يحتاجه من مرتبة ولحاف، وحتى مواد غذائية.. إلخ. فوجىء مساء اليوم الثاني لوصوله باتصال زميله المزارع القديم يسأله: هل وصل إليه المزارع الجديد. فلقد أخبره بأنه قادم اليك من أجل استخراج الاقامة وإنهاء اجراءات الصحة والجوازات.؟! ودهش الكفيل مما سمع وسأل أبناءه إذا كان احدهم اتصل بالمزارع الجديد وطلبوا منه الحضور إلى البيت. فدهشوا من سؤال والدهم كون العامل ليس لديه هاتف. وأكدوا أنهم لم يتصلوا به أبدا.. ولم يصدق خبر، فسارع مع أحد أبنائه بالتوجه إلى المزرعة ليعرف أكثر عما حدث لمزارعه الجديد، وهو يطمئن نفسه بأن ماسمعه من زميله عن عدم وجوده في المزرعة غير صحيح، فربما انتقل للسكن في مزرعة مجاورة. وربما وربما ؟! وعندما وصل إلى المزرعة وبلقاء المزارع القديم أخبرهم بأنه ذهب إلى (بيتكم) حاملا كل الأشياء التي أمنتموها له حتى المواد الغذائية. وأضاف: كان معه هاتف. ودهش الكفيل وابنه. وفي صباح اليوم التالي، ذهب لمكتب العمل وأبلغ عن هروبه وخلال تسجيل المعلومات في السجل شاهد العجب فهناك المئات من العمال والعاملات الهاربين.. التي ضمهم السجل الكبير..
تذكرت هذه الحكاية عندما استمعت مؤخراً في أحد البرامج الاذاعية الصباحية في دولة خليجية عن معاناة العديد من المواطنين في هذه الدولة وغيرها من ظاهرة هروب العمالة والتستر عليها. وجاء تفسير البعض ان وراء ذلك (مافيا) خاصة تقوم بإغراء العمالة خلال قدومهم من خلال الطائرات أو في المطارات أو حتى عبر عمال التوصيل.. وسوف تستمر هذه المعاناة إذا لم تتخذ اجراءات دقيقة تحد على الاقل من انتشارها.. في بلادنا وغيرها.؟!