أ.د.عثمان بن صالح العامر
من بين الأخطاء في مجتمعنا الذكوري الاعتقاد السائد بأنّ دور الأب التربوي لابنته ينتهي عند ليلة زواجها ودخولها حياتها الجديدة، مع أنها قد تكون في هذه المرحلة - التي أصبحت فيها في بيت جديد بعد أن عاشت في كنف والديها أكثر من عشرين عاماً -، أشد ما تكون حاجة للتوجيه والتذكير والإرشاد حتى يتسنى لها النجاح مع زوجها في تأسيس كيان أُسري سليم، ولو تُركت وحدها أو فوّضت الأم لتتولى القيام بهذا الدور الحساس، لربما كان التوجيه مبنياً على أساس عاطفي غير متزن لا عقل معه، أو كان التدخل في غير وقته وبشكل مباشر فضر ولم ينفع، وأثّر سلباً في الاستقرار والأمان للأسرة الجديدة، وقد تلجأ هذه الفتاة -وهي الحريصة على النجاح- إلى مرشد أُسري حين تعترضها مشكلة ما، فلا يفلح هذا الغريب في القيام بالدور المطلوب منه على وجه صحيح.
لقد وقفت متأملاً حياة الرسول - عليه الصلاة والسلام - مع بناته بعد زواجهن فوجدته عليه الصلاة والسلام:
* يحتفي بالبنت إذا جاءت له زائرة في بيته، يقوم لها مستقبلاً ويقبلها ويقول مرحّباً: (أهلا بابنتي) ويجلسها عن يمينه أو شماله، ويسر لها ما شاء من قول.
* يتابع حياتها الجديدة، ويسألها عن زوجها.
* يتدخل في حال وجود خلاف بينهما، ويحاول الإصلاح بحكمة وروية.
* يرق لها قلبه، ويهتم بشأنها حين المرض.
* يذهب لها في بيتها ويتعرف على وضعها عن قرب بلا تدخل مباشر قد يضر بعلاقتها مع زوجها.
ليس هذا من باب عدم الثقة، ولكن للقرب منها وإشعارها بأنّ منزلتها ما زالت كما هي عليه قبل زواجها، وضماناً لقيامها بحق زوجها وحرصها على سلامة واستمرار عش الزوجية، ومن بين الأمثلة التي أذكر ما رواه سَهْل بْن سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ : جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيّاً فِي الْبَيْتِ فَقَالَ: «أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟» قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي، فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي [القيلولة هي النوم وسط النهار]، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لإِنْسَانٍ: «انْظُرْ أَيْنَ هُوَ»، فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: «قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ». رواه البخاري ومسلم.
إنّ غياب الأب الكامل مثله كذلك التدخل الدائم غير المبرر، ربما سبَّب طلاق البنت جراء عدم فهمٍ منها لطبيعة الحياة الجديدة، والضعف إزاء ما قد ينشأ من خلاف ويقع من مشاكل التي هي طبيعية في حياة الإنسان، ولذا لابد من وعي بخطورة التدخل غير المدروس، أو الغياب الكلي وجعل البنت تستشير من قد تنصحها أو ينصحها بما يضرها ويفسد عليها زوجها - لا سمح الله -، خاصة وأننا اليوم لا نكترث كثيراً بتربية البنت في مدارسنا ومنازلنا وإعلامنا لتكون زوجة وأمّاً للأسف الشديد، دمتم بخير والسلام.