كوثر الأربش
قبل أعوام، كان الانحياز نادرًا، غريبًا، ومحدودًا في فئات معروفة: «ليبرالي، إسلامي». قديمًا كنا نعدد الأسماء، هذا يسار، وهذا يمين. نعرفهم واحدًا، واحداً، اسمًا، اسمًا. أما السواد الأعظم فكان يصارع سؤال الانتماء. كانت التصنيفات حينئذٍ حديث المجتمع، لدرجة أن البعض يخطئ في لفظها، كأن يقول «ريبرالي». ورغم سوء الحال إلا أنه كان محدودًا، ومنكمشًا. اليوم، اتسعت الجبهتان، أصبحتا أكثر وضوحًا، وتمكنًا. اليوم استفحلت التصانيف للحد الذي يجعلك إن لم تكن متشددًا إسلاميًّا، أو ليبراليًّا متحررًا، فأنت، ما أنت؟ أنت إما متخفٍ أو منافق، أو متملق للجميع!
منذ سنوات عدة وأنا أحاول توثيق هذه الرسالة، بمقالات، تغريدات، تعاملات اجتماعية، سلوكيات أخلاقية، مواقف. وأعلم يقينًا أن هناك الكثيرين في الظل. إنني أسمعهم يتنهدون وهم يبحثون بين غبار المعركة عن «موطئ قدم». وإنني هنا أتحدث بلسانهم، أقول بكل وضوح: أيها الفريقان: تعبنا من حروبكم، اختنقنا والله، تطيل ذقنك أو تحلقه، هذا شأنك، مظهرك لك، وأخلاقك لنا. ترتدين نقابًا، أو تكشفين، تبقين أختي، والحاكم الله. أيها الليبرالي، إنني أبتسم لتلك الزميلة الملتزمة دينيًّا، نعم، وأحبها، وأصلي بجوارها، وأهديها وردة، هذا لا يعني أنني أكرهك! أو يعني أني أتملقها، دع قلبي لي، وعليك من أخلاقي، انجازي، إبداعي، كفي للأذى، إحساني، تعاطفي، إنني لا أجزئ الأخلاق، ولا أنحاز. سئمنا تصنيفًا، سئمنا هذا السؤال: أنت (مع أو ضد) قيادة السيارة، (مع أو ضد) بناء دور سينما، (مع أو ضد) كشف الوجه، (مع أو ضد) عمل المرأة، ترامب وتخصيص أرامكو ورفع سعر السجائر، و.. و..!
نحن مع الاعتدال، مع الصالح العام، مع الميزان، مع الإنسان، مع الله وهو الأهم والأعظم من كل ما سبق. الله الذي يحب ويغفر ويوفق وينجي ويفرج ويسدد. الله الذي بالغتم في الحديث على لسانه جل وعلا، أنتم الفريقان، نعم، أنتم.. دعونا في مكاننا السماوي، بين أزرقكم الداكن والباهت، نحن أيضًا، سنظهر في المستقبل بشكل أكثر وضوحًا، إنني أتنبأ بذلك، دون ريب، غدًا، سيكون التركيز الأول على العمل، الانجاز والأخلاق العامة، ستصبح مجالات حروبكم شيئًا من الماضي، وسنرتاح كثيرًا، سنلبس ما نريد، ونقول ما نريد، ونأكل ما نريد، دون أعينكم المتربصة، وبعيدًا عن تصانيفكم المنهكة. نحن معتدلون، وسطيون، والغد يفتح أذرعته لنا..