شارك رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك، بمحاضرة في تحالف عاصفة الفكر في ندوة عن الأمن القومي العربي في عصر جديد باستضافة مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، وكان عنوان المحاضرة «تهديد الإرهاب للأمن القومي العربي»، وذلك بحضور وزير خارجية مصر، وفيما يلي نصها:
الإرهاب ظاهرة استعصى على العالم السيطرة عليها بالكامل، وفشل إلى اليوم في تحجيمها، فضلاً عن القضاء عليها، فالمؤتمرات ذات الاختصاص تعقد على مستوى الرؤساء والحكومات بشكل منفرد أو ثنائي أو على مستوى دولي موسع، والندوات والمحاضرات والمقالات وورش العمل تبحث في هذه الظاهرة دون توقف، فيما يظل الإرهابيون يتوالدون ويتكاثرون، ويجددون في أساليب وآليات ممارساتهم لهذا العدوان السافر، للهروب من الرقابة والمتابعة وعدم وضع اليد على مصدر وممول عملياتهم الإرهابية.
* * *
اكتسح الإرهاب كل الساحات والمفاصل المهمة في كل الدول، بحسب خيارات الإرهابيين، وانتقائهم للأهم قبل المهم، وراحوا يسرحون ويمرحون وما زالوا، فيما لا يزال العالم في وضع العاجز أو المكبل بعدم القضاء على هذه الممارسات العدوانية، والسبب افتقار الدول إلى صيغة حقيقية للتعاون، وغياب الالتزام بما تم الاتفاق عليه، وعدم تحديد الدول والأحزاب الراعية للإرهاب ومحاسبتها، بما في ذلك تلك الدول الممولة مالياً لعملياته، ومن تكون أراضيها ملاذاً آمناً لأي من الإرهابيين، ومن تساعدهم بالسلاح، وتدعمهم إعلامياً للتغطية على ما يقومون به من عدوان وإرهاب، ما لا يُعجز الدول كبيرها وصغيرها عن معرفة كل ذلك، ومن ثم معاقبة من يقف خلف ظاهرة الإرهاب.
* * *
هناك تعريفات للإرهاب، وأخرى للإرهابيين، وهي تعريفات متعدِّدة، وليس هناك اتفاق أو إجماع عليها، ولا بأس من الإشارة إلى أن من ضمن المعاني للإرهاب أنه يعني الإخافة والرعب والفزع، فيما أن المقصود بالإرهابيين أولئك الذين يمارسون العنف والإرهاب، وهذا يعني - بحسب الأعضاء في مجلس وزراء الداخلية العرب - أنشطة وجرائم الجماعات والمنظمات الإرهابية وقياداتها وعناصرها وأماكن تمركزها وتدريبها ووسائل تمويلها والأسلحة والذخائر والمتفجِّرات التي تستخدمها. بمعنى آخر أن المقصود بتعريف الإرهاب والإرهابيين التفريق بينه وبين العمل المشروع في دفاع الشعوب عن أراضيها المحتلة، وبالتالي جاء التوجه ضمن الإستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب نحو أعمال العنف المنظّم التي تسبب رعباً أو فزعاً والتهديد بها، بخلاف الكفاح المسلح المشروع للشعوب التي تخضع للاحتلال الأجنبي.
* * *
فإذا كانت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب تشير إلى أن المقصود بالإرهاب كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، مما يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم، أو حريتهم، أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق، أو الأملاك العامة والخاصة، أو احتلالها، أو الاستيلاء عليها، وأن المقصود بالجريمة الإرهابية، أنها أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي دولة سواء على ممتلكاتها، أو مصالحها، أو على رعاياها، أو ممتلكاتهم، وكذلك التحريض على الجرائم الإرهابية، أو الترويج لها، أو تحبيذها، وطبع أو نشر أو حيازة محررات أو مطبوعات أو تسجيلات تتضمن ترويجاً أو تحفيزاًَ لتلك الجرائم، فإننا بذلك أمام تشخيص لحالة الإرهاب، لا يقبل معه هروب أي دولة من المشاركة وتحمّل المسؤولية في التصدي لأخطار الإرهاب، والتعاون بين دول الجامعة العربية، بما يضعف ويشل قدرات الإرهابيين في أي من دولنا.
* * *
لقد عرَّف التشريع المصري الإرهاب بأن المقصود به كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، يلجأ إليه الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، بهدف الإخلال بالنظام العام، أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص، أو إلقاء الرعب بينهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات أو بالمواصلات، أو بالأموال، أو بالمباني، أو بالأملاك العامة والخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع وعرقلة ممارسة السلطات العامة، أو دور العبادة، أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل تطبيق الدستور، أو القوانين واللوائح، وهو تعريف يتوافق في كثير من مفرداته مع تعريف مجلس وزراء الداخلية العرب، وينسجم مع موقف وزراء العدل العرب من الإرهاب والإرهابيين، وهناك تعريفات لكل دولة من الدول العربية تتفق في المضمون والهدف ومع ذلك، وإن اختلفت في الصياغة، غير أنها مع ذلك لم تحسم الصراع مع الإرهابيين، ولم تتمكن إلى اليوم من هزيمتهم.
* * *
إن تجفيف منابع الإرهاب لا يقتصر على مواجهة الإرهابيين بالقوة المسلحة فقط، وإنما يجب أن يصاحب ذلك مراجعة لمخرجات التعليم، ومعالجة الأوضاع الاقتصادية، وتحرير وسائل الإعلام مما يساهم به في تبني العمليات الإرهابية حتى ولو كان باجتهاد غير موفق وعن غير مقصد، وأن تلعب الأسرة دوراً في تربية وتنشئة أبنائها حتى لا يكونوا صيداً سهلاً لمن يحمل فكراً إرهابياً، وكل هذا لا يعفي المنابر الدعوية وخطباء المساجد، وغير ذلك كثير مما يدخل ضمن مكافحة الإرهاب ضمن التعاون الثنائي والإقليمي والدولي، وتحقيق التكامل الأمني بين الدول العربية تحديداً، واستخدام أحدث الأساليب المتقدمة، وخاصة التقنية منها، كونها الوسيلة الأسرع عند استخدامها في تبادل المعلومات الأمنية بين الدول، ووضع خارطة طريق للجميع تجمع بين المكافحة والوقاية من هؤلاء المجرمين.
* * *
لقد تحدثنا جميعاً ولا نزال في كل وسائل الإعلام، وفي المنتديات، وفي جميع الدراسات والأبحاث، عن أن العالم أصبح قرية واحدة، وأن التواصل بين الدول والشعوب أصبح أسرع من الصوت من خلال الهاتف المحمول، والقنوات الفضائية، وباستخدام وسائل المواصلات المتقدمة، وغير ذلك كثير، وبذلك فقد أصبح العالم بدوله وشعوبه قرية صغيرة تحتضن الإرهابيين قهراً، وتكتوي بنار ممارساتهم، وتنتظر عملية إرهابية هنا أو هناك ضمن تنظيم واحد أو أكثر، وبجميع دول العالم، بحيث يمكن أن نضيفه إلى ما يؤكّد على أن العالم أصبح فعلاً قرية واحدة، فانتقال الإرهابيين بأموالهم وأسلحتهم ومخططاتهم من دولة إلى أخرى، وإفلاتهم من الرقابة يتم على مشهد منا، لأن التعاون في العالم أصبح متداخلاً، بما مكَّن الإرهابيين من أن يقوموا بعمل إرهابي في هذه الدولة أو تلك، ثم الهروب إلى أخرى يجد فيها المأوى والملاذ الآمن، بسبب غياب التفاهم والتعاون الأمني بين الدول في مواجهة العمليات الإرهابية التي تضرب بقوة، وكأن الفاعلين في مأمن من المحاسبة والعقاب.
* * *
لقد اختلفوا في مجلس الأمن حول الاتفاق على تعريف موحّد للإرهاب، وكل دولة ذهبت إلى ما يلبي سياساتها، وينسجم مع مواقفها، ولحسن الحظ أن الدول العربية من خلال مجلس وزراء الداخلية العرب، قد التقت وجهات نظرها بالتوقيع على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، بعد مناقشات وتداولات تم الاتفاق على تعريف الإرهاب والإرهابي، وذلك بالإجماع على جميع أبوابها الأربعة وموادها الاثنتين والأربعين مادة، ما اعتبر الوزراء هذه الاتفاقية على أنها الخطوة الأولى من نوعها على صعيد العمل العربي المشترك، ونقلة نوعية رائدة وموفقة في نطاق الجهود التي يبذلها مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب لمحاربة ظاهرة الإرهاب التي تهدد أمن وسلامة بلداننا وشعوبنا العربية، وتلحق أفدح الخسائر والإضرار بممتلكاتنا وبمقدرات شعوبنا، إلا أن هذه الاتفاقية بالتقييم الذي يتحدث عنه بيان صادر عن الوزراء الداخلية والعدل العرب، لم يحل دون استمرار العمليات الإرهابية، بما يعني أهمية تفعيل الاتفاقية جماعياً، وبالتعاون المنشود.
* * *
ولا يمكن لنا أن نقضي على الإرهاب، أن نغيبه، أن ندفنه إلى الأبد، من دون تنسيق بين دولنا، لا يمكن أن نهزم الإرهابيين طالما بقيت كل دولة توقِّع الاتفاقيات ولا تفعلها، وأخطر شيء أن تتفق الدول على شيء وتمارس ما يخالفه، فمواجهة الإرهاب والجماعات الإرهابية تقتضي منا الحزم والعزم وبذل الجهد المشترك وتكثيفه، وأن نكون صادقين مع بعض، فلا نخون ما تم الاتفاق عليه، ولا نتخلّى عن دورنا بما تم الالتزام به، وأن نتذكّر دائماً أن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهابيين لو تم تطبيقها لما أصبحت دولنا مسرحاً للعمليات الإرهابية، فيما تنص الاتفاقية على التزام دولنا بالحيلولة دون اتخاذ أراضيها مسرحاً لتخطيط أو تنظيم أو تنفيذ الجرائم الإرهابية أو الشروع بذلك، أو الاشتراك فيها بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك العمل على منع تسلّل العناصر الإرهابية إليها، أو إقامتها على أراضيها، فرادى أو جماعات، أو استقبالها، أو إيوائها، أو تدريبها، أو تسليحها، أو تمويلها، أو تقديم أي تسهيلات لها، إلى آخر ما ورد في الاتفاقية.
* * *
وما دمنا نتحدث عن الإرهاب للأمن القومي العربي، فإن المملكة العربية السعودية من بين أكثر الدول العربية التي عانت من الإرهاب، فيما كانت إيران هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تسجل عملية إرهابية واحدة موجهة لها، وهذا ما يثير الانتباه عن دور مشبوه لإيران في كل هذا الإرهاب الذي يضرب دولنا، بينما لا يمس إيران بسوء، وهي الدولة التي نعرف جميعاً تدخلها السافر في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحرين، بما لم يعد خافياً أنها من يحرك العمليات الإرهابية في هذه الدول.
* * *
واسمحوا لي أن أحدثكم باختصار عن الأعمال الإرهابية الجبانة التي تعرضت لها المملكة على مدى خمسة عشر عاماً مضت، بلغ عدد الشهداء مائة وثلاثة وخمسين شهيداً من مختلف الرتب العسكرية، استشهد من منسوبي وزارة الداخلية مائة وأربعة وأربعون شهيداً، وأكثر من ستمائة مصاب، وفي العامين الماضيين فقط استشهد خمسة وخمسون رجل أمن على يد تنظيم داعش الإرهابي، كما استشهد من الأجهزة العسكرية في الحرس الوطني والقوات المسلحة تسعة شهداء، وهذا بخلاف التدمير الذي مس المباني والمنشآت، ولولا الكفاءة التي يتمتع بها رجل الأمن، والعمليات الاستباقية التي قام بها ضد الإرهابيين لكانت الخسائر أكثر.