د. جاسر الحربش
السؤال المقدَّم على كل سؤال في أي مجتمع متخلف يجب أن يكون عن أسباب التخلف، ويجب أن يكون الأول بخصوص التخلف المريع في العالم الإسلامي بالذات. توجد كميات هائلة من الأجوبة الاحتيالية الكاذبة.
الفساد المالي والإداري، ضعف الوازع الديني، عدم الاستثمار في العقول والبحث العلمي، الفتن المذهبية والقبلية، غياب الديموقراطية والمشاركة في اتخاذ القرار، إبعاد نصف المجتمع (المرأة) وعزله عن الحراك الاجتماعي، التعليم الهزيل... إلى آخر ما في خزانة الهزائم والتخلف من مشاجب ومعاليق.
الحقيقة المغيبة هي بالرغم أن كل هذه الأجوبة صحيحة، إلا أن السبب فيها كلها واحد، وهو حجب النقاش العلني المفتوح عن التخلف، أسبابه، آلياته، نقاط قوته وضعفه. النقاش العلني المخلص في مسألة التخلف بقصد التخلص منه في العالم الإسلامي ممنوع، ليس فقط لأسباب أمنية أو قضائية وإنما أيضاً لمفاهيم ومصالح فئوية اجتماعية.
هل يمكن أن يمنع نقاش علني عن التخلف بهدف التخلص منه إن لم تكن هناك تراتبية اجتماعية تراثية تستفيد من بقاء التخلف؟ منطقياً، لا يمكن، لأن الظلام لا يمكن أن يستمر ما لم يوجد من يدافع عنه بقوة بقصد التخفي، والتخلف ظلام.
للأسف، ويا للحسرة، حتى الغالبية العظمى من الشعوب الإسلامية بالرغم من كونها الوجبة الأساسية التي يلتهمها التخلف، تشارك بحماس في قمع من قد يجرؤ على طرح السؤال الأهم لمستقبل أبنائها وأحفادها، بما في ذلك الشرائح العريضة التي تعيش تحت خط الفقر وفي أسفل القاع من إمكانيات الحصول على العدالة والتعليم النافع ضد الجوع والفقر والمرض.
الواقع يبدو هكذا في العالم الإسلامي، توجد عصبيات انتفاعية متعددة خارج نطاق العقل ومعطلة للتطور، تجعل البائس الجاهل الفقير يستميت في الدفاع عن منظومة مذهبية أو قبلية أو مناطقية يعيش بداخلها، لأسباب تقع في صميم ديمومة فقره وجهله.
لا يوجد مجتمع استطاع النهوض والتقدم إلى الصفوف الأمامية لمجرد أن الحس الوطني تغلب فجأة وبدون مقدمات على الأنانيات الفئوية التي تقدم دائرة المصالح الضيقة على الكل الأوسع. الذي مرت به الأمم المتقدمة عبر التاريخ بدأ بجهود مجموعة طلائع مستنيرة وواعية بشروط البقاء متناثرة في مجاميع القيادات السياسية والفكرية والقضائية، طرحت على نفسها أولاً السؤال المهم عن أسباب تخلف مجتمعها، وهل هي جزء من أسبابه وجزء من حلوله، ثم طرحت السؤال للنقاش العلني واجتهاد الرأي لصالح وبمشاركة الجميع.
واقع المسلمين الحالي هو أن الطلائع المستنيرة الواعية تكون أول ضحية لعدوانية الطبقات التي تنتمي إليها بالذات، ولهذا يطول عمر التخلف ويستمر الظلام.