محمد خالد الخنيفر
من دون شك أن إعلان شركة «مركز إيداع الأوراق المالية» التابعة لـ «تداول» عن الانتهاء من تسجيل إصدارات الدين العام الحكومية يُعَدُّ بمنزلة الخطوة «التقدمية» لتطوير أسواق الدين بالمملكة. خطوة مفصلية تمهد لإيجاد منحنى عائد سيادي تستفيد منه شركات القطاع الخاص (ولاسيما في الجانب التسعيري) عندما يصدرون أدوات الدين الخاصة بهم. وسوف تعقب مرحلة التسجيل مرحلتي الإدراج والتداول، بحسب البيان الصحفي الصادر. قبل أن أتحدث عن التحفظ الشرعي عن تداولات الدين الخاصة بالمرابحات (وهي أدوات دين تم إصدارها من أجل التسهيل على البنوك الإسلامية شراء الدين السيادي)، ألخص أدناه أبرز النقاط التي لفتت نظري حول قائمة إصدارات الدين العام الحكومية المسجلة:
- تم إصدار 43 أداة دين وذلك بقيمة إجمالية وصلت إلى 171.52 مليار ريال. ووصل عدد أدوات المرابحات إلى 10 أدوات. وننتظر في المستقبل القريب إنظام الصكوك السيادية
- وتفاوتت آجال تلك الأدوات ما بين 5 سنوات (11 أداة) و7 سنوات (11 أداة) و10 سنوات (21 أداة). نلاحظ تركيز وزارة المالية والبنك المركزي على الآجال الطويلة. وهو تصرف حكيم وذلك بغرض تقسيم فترات خدمة الدين (على مدى سنوات طويلة) وعدم إرهاق ميزانية الدولة عبر تسديد الدين خلال فترة قصيرة.
- التسعير الخاص بأدوات الدين كان موزعاً بين فائدة متغيرة (19 أداة) وفائدة ثابتة (24 أداة). حبذا في المرة القادمة استبدال كلمة «فائدة» المجاورة للمرابحات الإسلامية بكلمة «ربح» ثابت أو متغير.
تداول ديون المرابحات
لا توجد لدينا تفاصيل عن نوعية الأداة التي تم استخدامها مع «المرابحة الحكومية». بمعنى هل نحن نتحدث عن صكوك مرابحة أو عملية مرابحة (قرض متوافق مع الشريعة). لكن أياً كان نوع الأداة، فأنا متأكد أن مكتب الدين العام وتداول على علم بالتحفظات الشرعية التي تدور حول تحريم تداول ديون المرابحات. أما إذا كانت هناك نية لتداول المرابحات، فلابد من تقديم «تداول» ضمانات تؤكد فيه أن هذه الأوراق المالية سيتم تداولها بالقيمة الاسمية. ولكن في العادة عندما يكون هناك (تداول) فإن ذلك يعني أنه سيكون هناك ارتفاع وانخفاض في قيمة هذه الأوراق المالية، ولو تحقق ذلك فهذا يعني أننا نتداول الديون، وهذا ما تحرِّمه الشريعة.
الدين المُسعر بفائدة ثابتة أو متغيرة
إذا تم تسعير أدوات الدين بفائدة ثابتة فهذا يعني أن المستثمر يعرف حجم الفوائد التي سيستلمها خلال فترة معينة. تميل الجهات المصدرة نحو الفائدة الثابتة من أجل إغلاق (lock in) نسبة العائد الثابت خلال الأوقات التي تكون فيها أسعار الفائدة منخفضة (وبذلك توفر الملايين في حالة ارتفاع أسعار الفائدة بعد إغلاق إصدارها). ولكن أحد أهم العوامل التي تسهل عملية التسعير هذه هي وجود مؤشر قياسي ( Benchmark) يسترشد به. وهذا المؤشر كان مفقوداً بأسواق الدين السعودية (لسنوات طويلة) قبل أن يعاود الظهور أخيراً (مع إصدارات ساما في 2015). أما أدوات الدين المسعرة بفائدة متحركة فإنه يعاد تسعيرها (كل 3 أو 6 أشهر) بحسب بمؤشر القياس المستخدم. فعالمياً يتم استخدام الليبور (وفي السعودية نستخدم السايبور). ولذلك يسهل على البنوك تسعير قروض الأفراد والشركات وأدوات الدين باستخدام مؤشر القياس السايبور (بسبب توفر بياناته اليومية). والسايبور هو سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية.
منحنى العائد مع الدين
المُسعر بفائدة ثابتة
ذكرت في أحد المقالات المعنونة بـ «المنظومة التسعيرية» لأسواق دَين المملكة» أنه يجب علينا، من أجل تطوير أسواق الدين بالمملكة، إيجاد منحنى عائد (Yield Curve) للسندات والصكوك السيادية. منحنى عائد يحوي آجال متفرقة (3 أشهر-سنة- 5 سنوات الخ). لذلك عندما أصدرت السعودية سنداتها الدولية، قام مكتب إدارة الدين (بوزارة المالية) بالاسترشاد بعوائد سندات الخزانة الأمريكية (الذي كانت تحوي على آجال 5 و10 و30 سنة). هذا المؤشر «الحي» الذي يستعان به مع الديون المقومة بالدولار غير متوفر بالسعودية بطريقة يمكن أن نصفها بالمرنة. الأمر الذي يعوق الشركات (التي تنوي استخدام الفائدة الثابتة) من استخدام مؤشر قياس لديونها المقومة بالريال. وبسبب ذلك تدفع الشركات لتسعير أدوات الدين والقروض بالفائدة المتحركة ولتعرض أرباحها المالية للتآكل في حالة حدوث تقلبات سريعة وغير متوقعة عبر ارتفاع معدلات السايبور.
الحلقة المفقودة:
مؤشر القياس السعودي
من أجل تبيين أهمية إيجاد مؤشر محلي قياسي تستعين به الجهات الشبه الحكومية والشركات (الجهات المصدرة) عند إصدار أدوات دين، لنأخذ هذا المثال البسيط الذي يوضح الحلقة المفقودة في المنظومة التسعيرية لأسواق الدين بالمملكة. لو افترضنا قيام ساما (البنك المر كزي) بإصدار سندات ذات أجل 5 سنوات (بفائدة ثابتة) وتم تسعيرها ( spread) بـ50 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية ذات الأجل المماثل (أي 100 نقطة أساس). وهنا تكون نسبة الفائدة السنوية لتلك السندات هي 1.50 %. لاحظ أن السندات مقومة بالريال والمؤشر القياسي الذي استخدمته حكومة المملكة هو عوائد سندات الخزينة الأمريكية. وذلك بسبب ربط الريال بالدولار. بعدها بيوم تقرر إحدى الشركات إصدار سندات ذات أجل 5 سنوات (بفائدة ثابتة). فهنا سنقول (بعد أن نأخذ في عين الاعتبار التصنيف الائتماني للشركة) أن تسعير سنداتها المقومة بالريال سيكون 90 نقطة أساس فوق سندات حكومة المملكة ذات الأجل المماثل. وبذلك تكون نسبة الفائدة السنوية لتلك السندات هي 2.40 %.
دور «تداول»
ومن أجل إيجاد مؤشر قياس لأدوات الدين المقومة بالريال، علينا في البداية إدراج السندات السيادية للمملكة (بكافة آجالها) التي بدأت ساما في إصدارها منذ يوليو 2015 (وذلك للمرة الأولى منذ 2007). ويكمن التحدي الجوهري للسوق المالية في إيجاد حل لتشجيع تداول أدوات الدين بالسوق الثانوية. فمن دون تداولات نشطة و»حية» فلن يكون هناك مؤشر قياس يعتد به ولن تحصل أسواق الدين على منحنى العائد الذي يسترشد به مع التسعير. نحن نريد إيجاد سوق دين متكاملة ومستدامة ومن دون إدراج أدوات الدين السيادية وضمان تداول نشط عليها فلن نستطيع إيجاد مؤشر قياس مستدام.