هاني سالم مسهور
قبل أن يتم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم المائة من دخوله البيت الأبيض قرر عملياً البدء في مراجعة الاتفاق النووي مع إيران، الموقف ليس بالجديد فلقد كرر الرئيس ترامب على مدى عام كامل خلال حملته الانتخابية وصفه للاتفاق النووي بالغبي وهدد بتمزيقه بعد فوزه بالانتخابات الأمريكية، كان الاعتقاد بأن ترامب يستخدم هذه الورقة لكسب مزيد من المؤيدين في طريقه للبيت الأبيض، طهران نفسها لم تأخذ تلك التصريحات على محمل الجد، فقد كانت معتادة حتى خلال فترة الرئيس أوباما على استقبال الانتقادات من الجانب الأمريكي وهي انتقادات لم تعطلها كثيراً سواء كان على صعيد مشاريع تطوير السلاح في الداخل أو كان على مستوى التدخلات الخارجية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
لتأكيد أن إيران لم تكن لتأخذ التهديدات الأمريكية على محمل الجد فلقد اختبرت الإدارة الجديدة بتجربة إطلاقها للصاروخ البالستي في فبراير 2017م، وحدث التحول الأكثر خطورة باستهداف الفرقاطة السعودية في البحر الأحمر ثم إطلاق الحوثيين للصواريخ البالستية مُجدداً على الأراضي السعودية، كانت التصرفات الإيرانية الأخيرة تحمل استفزازاً عالياً وجدت مع قرار الرئيس ترامب بمراجعة الاتفاق النووي إجابة تالية بعد أن ترافقت مع تصريحات وزير الدفاع الأمريكي ماتيس في السعودية الحادة تجاه تدخلات إيران في الشرق الأوسط.
الاتفاق النووي الذي اعتمد في لوزان يوليو 2015م لم يكن مجرد اتفاق تقني، بل كان اتفاقاً ملخصه ضمان تحسن (السلوك الإيراني) وخاصة تجميد المساعي النووية لمدى عشر سنوات مقابل إعادة فتح الأسواق أمام الاقتصاد الإيراني وقبول ذلك البلد الذي عانى لعقود من الحصار والمقاطعة ضمن المنظومة السياسية والاقتصادية الدولية، كان ذلك وفقاً لنظرية تبناها وبشكل واضح الرئيس السابق باراك أوباما وفريق عمله وهي التي كانت تقول أن ما لم ينجح المجتمع الدولي في الوصول إليه بطريق الاستهداف والعداء قد ينجح في التحصل عليه عن طريق الضغوط الناعمة والاحتواء.
صحيح أن إيران خلال السنوات الأخيرة نجحت في وضع شبكة مُعقدة حولها سواء من خلال علاقتها مع روسيا أو من خلال استخدامها للمليشيات العسكرية في خارج حدودها مما يعني أن على الولايات المتحدة التعامل مع ملفات واسعة حتى تصل إلى تشكيل ضغوط مؤثرة على طهران، وهي سياسة إيرانية مفهومة عملت عليها لتتحصن ضد إجراءات أمريكية رادعة لها.
ندرك أن التعامل مع الملف الإيراني في هذا التوقيت وقبيل الانتخابات الإيرانية سيشكل ضغطاً كبيراً على عدة ملفات وسيدفع الإيرانيين لتقديم تنازلات سياسية حقيقية يُمكن أن تبدأ في اليمن لمحاولة تجنب الصدام المباشر مع الأمريكيين الذين يدركون في المقابل أنهم جزء من الاتفاق النووي الذي تشاركهم فيه أعضاء مجلس الأمن الدولي دائمي العضوية إضافة إلى ألمانيا، وهذا لا يعني عدم قدرة الولايات المتحدة على تحقيق نتائج مؤثرة على إيران اقتصادياً في حال فرضت واشنطن عقوبات مشددة من طرف واحد، قد تؤدي عملياً لتعديل شروط الاتفاق النووي في مقابل ذلك ستحدث تغييرات واسعة في عدة ملفات ساخنة في الشرق الأوسط.