عبدالحفيظ الشمري
ما إن نقصد محافظة حريملاء شمال غرب العاصمة الرياض إلا وتستوقفنا مشاهد جميلة، في ثنايا هذا الجزء الجميل من الوطن، فقد استوفت الكثير من شروط المحافظات النموذجية، بأداء متناسق؛ لتسعى بكل جد وعطاء إلى إنجاح مشروعها، وإنضاج تجربتها من الناحية المعنوية والمادية في مجالات عدة، ربما أهمها البناء الاجتماعي المتكامل، وتوفير البيئة الحياتية المميزة، واعتماد خطط تنفيذ المشاريع والخدمات، بجهود العاملين في قطاعاتها الخدمية، ومساندة الأهالي؛ لتصبح مع الوقت مثالاً للجمال والعطاء، في الجهد الإداري والتنظيمي الرائع، الذي كون لها هذه الأبعاد الجمالية؛ في بيئتها، وطبيعتها، وعناصر تميزها عن غيرها من المحافظات في بلادنا.
فمدينة حريملاء عرفت ومنذ نشأتها الأولى بأن مقصد مهم؛ إنساني واجتماعي وأسري للكثير من قاطنيها ومن حولها، ممن وجدوا فيها مكاناً ملائماً للعيش بهدوء وطمأنينة، حتى أنه انعكس على أهلها الذين يقابلونك بابتسامة لطيفة، وعبارات جميلة، ليتأكد لك مفهوم التميز فعلاً، إضافة إلى السعي الدائب في العمل من أجل اكتمال برامج بيئتها الحضرية، والزراعية، والريفية، ليتفاعل بعضها مع بعض، دون أن تكون البيئة الحضرية قد طغت على البيئة الزراعية كما نرى في الكثير من المدن الأخرى.
هذا المثال الحيوي الذي يؤكد على أن هذه المدينة حافظت على هويتها الزراعية والريفية، ولم تسمح لتمدد المدن واجتياحها، واقتلاع نخيلها، وأشجارها وطلحها إنما بقي «الشعيب» صامداً أمام كل التغيرات الحضرية، والبناء الجديد.
فأسطورة «الشعيب» قديمة، وراسخة في تكوين هذه المدينة الجميلة .. فهو الوادي الذي يضخ لها الماء والنماء، وتغطيه الأشجار لاسيما «الطلح»، دائم الخضرة والحياة، ومصدر جذب لأهلها والمقيمين بها وزوارها. فلا ينسى الإنسان الذي يمر عبر هذا الوادي أن يحمل معه ذكريات جميلة عنه، ليُذهل حقيقة من حرص وتفاني «أهل حريملاء» على أن يكون هذا الوادي رمزاً للحياة والبقاء، وعنصراً للنقاء، وامتداداً للمظهر الحضاري والإنساني الذي يعد هو رهانهم القوي على تميز مدينتهم، وعطاء أهلها، وجمال بيئتها.
حريملاء وأهلها بلا أدنى شك أنجزوا عملاً إنسانياً رائعاً، يتمثل في صيانة البيئة، وتطويرها، والمحافظة عليها؛ بتوفير ما يلزم من أجل أن تبقى زاهية في أعين أهلها وضيوفهم، ومعبرة عن حجم نجاحهم في المحافظة على «الشعيب» كوجهة سياحية يوثق بها، بل إن الأمر الملفت أن جميع القطاعات الخدمية؛ حكومية وأهلية تعمل بشكل متناغم لخدمة هذه المدينة وأهلها.
وما جهودهم المظفرة باستنبات «شجيرات الطلح» على الضفة اليسرى من الوادي إلى خطوة، تكرس إصرار الأجيال الحاضرة وبما يمتلكونه من مقومات ومواد على تقديم رؤية جمالية للأجيال القادمة..
فهاهم وبعد استنبات «الطلح» من أجل أن يزدهر «الشعيب» وتكسوه الخضرة ويعمره النماء؛ هاهم يضعون للأجيال خطوة مهم في تدشين رغبتهم في جلب الطاقة المتجددة والسليمة للمدينة وما جاورها، لتنتصب «المروحة» الأولى، إيذاناً بدخول حريملاء منظومة ونطاق المدن العصرية، إلا أنها ستتميز بأنها تحافظ على البيئة الريفية بمقدار ما تنشد البناء والحياة العصرية.