عماد المديفر
فيما قال فخامة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن: «من المحتمل أن يندلع صراع كبير جداً مع كوريا الشمالية في المواجهات بشأن برامجها النووية والصاروخية»، وهو ما أكده السيد ريكس تيلرسون وزير خارجيته أمام مجلس الأمن الجمعة الماضي؛ أن: «كل الخيارات مفتوحة للرد على أي تجربة كورية شمالية صاروخية أو نووية مقبلة»، منوهاً بوجود «خطر حقيقي لهجوم نووي كوري شمالي على سيول أو طوكيو، وهي على الأرجح مسألة وقت قبل أن تطور كوريا الشمالية القدرة على ضرب الأراضي الأميركية»؛ إلا أن وزير الخارجية الصيني السيد وانج يي صرح خلال لقائه نظيره الألماني بأن الصين: «لن تسمح ولا باحتمال واحد بالمائة لنشوب الحرب، فعواقب الحرب ضد كوريا الشمالية علينا لا يمكن تخيلها، فكوريا الشمالية ليست منطقة الشرق الأوسط»، في إشارة إلى التصاقها الجيوغرافي بها والضرر المباشر على المصالح الحيوية الصينية.. وقد كان الرد الأمريكي أيضاً سريعاً وحاسماً وعلى لسان فخامة الرئيس ترمب نفسه: «ما لم تقم الصين بحل مشكلة كوريا الشمالية، فنحن سنفعل».. وكانت الصين قد تفاعلت بشكل إيجابي مع ذلك، موضحة أنها قامت بالضغط على كوريا الشمالية، ووجهت لها رسالة صارمة، وأنه ما لم تلتزم بتعهداتها فإنها -أي الصين- ستفرض عليها عقوبات اقتصادية هي الأخرى.
الواقع أننا والعالم نواجه جميعاً ذات المشكلة مع إيران، والتي تجاوزت في تعدياتها عملياً ما اقترفته كوريا الشمالية بمراحل، فعلاوة على برامجها النووية والصاروخية المارقة، فإنها لا تزال تواصل دعمها وإنشاءها لعدد من التنظيمات والمجاميع الإرهابية خارج حدودها، واستخدامها لهذه الأدوات الإرهابية للمساومة، ولبسط سيطرتها وتنفيذ أجندتها التخريبية والتوسعية، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، بل وفي أفريقيا وجنوب شرق آسيا.. وحتى وصلت إلى أميركا الجنوبية.. وتورطها المباشرة بعمليات إرهابية من أقصى العالم إلى أقصاه.. ودعمها اللوجستي لتنظيم القاعدة وحزب الله وبوكو حرام وغيرها.. وابتزازها للمنطقة وللعالم بشكل فج عبر ترديدها بأنه: «لا سلام ولا أمان في المنطقة من خطر الإرهاب إلا عبر التعاون مع طهران».!
وإن كانت الولايات المتحدة الأميركية قد طفقت هرعاً جراء مقطع الفيديو التخيلي ثلاثي الأبعاد الذي أنتجته كوريا الشمالية والذي يصور هجوماً كورياً شمالياً -تخيلياً- بالصواريخ النووية بعيدة المدى على الأراضي الأميركية.. فإن فكرة هذا الفيديو في الواقع ليست كورية شمالية! إذ سبقتها طهران قبل سنتين بإصدار مقطع فيديو مماثل لكن تجاه أراضي المملكة العربية السعودية ودول الخليج.
الواقع يخبرنا أيضاً أن تجربة العقوبات الدولية الاقتصادية لم تجد نفعاً في كبح جماح هذه الدولة المارقة -أعني إيران-، حيث احتالت على هذه العقوبات بطرق متعددة، وعبر وسطاء في دول مجاورة لها أو حتى غير مجاورة وربما تكون حليفة للولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج -كما هي تركيا على سبيل المثال والتي نعتقد أن ما تم ربما لم يكن بعلمها-.. وبالتالي فقد تجاوزت طهران العقوبات عملياً واستطاعت أن تتعايش معها رغم أنها أثرت لا شك، لكن ليس بدرجة التأثير المطلوبة التي تنعكس إيجاباً في كبح أعمالها غير المسؤولة. هذه كانت «عصا» العقوبات الاقتصادية الدولية.. كما أن تجربة سياسة «الجزرة» عبر المكافأة واللين والدبلوماسية معها لم تفلح هي الأخرى.. وكان حصيلة وتتويج ما أفضت إليه تلك الجهود الدولية الحثيثة طوال سنين عدة؛ هو الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الست، والذي كان - للأسف - بمنزلة طوق النجاة لنظام عمائم الشر والإرهاب، والذي فشل فشلاً ذريعاً هو الآخر في تحقيق الغرض منه، بشهادة الرئيس «ترمب»، والذي لمس بعينه المسؤولة أن ضرر هذا الاتفاق كان أكبر كثيراً من نفعه، وأنه انعكس بشكل سلبي على هيئة إنعاش وتعزيز لدعم إيران للعمليات والمنظمات الإرهابية، وهو ما أدى في المحصلة لازدياد وتسارع وتيرة الإرهاب في المنطقة والعالم.. وليس القضاء عليه.
خلال فترة العقوبات الاقتصادية الدولية؛ واصلت إيران بتحدٍ وبوتيرة متصاعدة برامجها النووية والصاروخية، متحايلة على العقوبات الدولية عبر وسطاء بعضهم كان داخل الأراضي الأمريكية نفسها. ومع الاتفاق النووي والحل الدبلوماسي، تنمرت طهران، ورأيناها تواصل تذاكيها على المجتمع الدولي عبر مواقع نووية سرية، خلا أنها ظنت لوهلة -وبسبب سياسة إدارة أوباما التقهقرية الرخوة- أنها تفرض أجندتها على الساحة الإقليمية، وليس ذلك فحسب، بل جعلت كرامة الجندي الأمريكي مهدرة كما رأينا مثلاً في عملياتها في خطف عدد من المارينز الأمريكيين في مياه الخليج العربي، وبث مشاهد مذلة ومهينة تصور تلك العملية، ومساومتها على إطلاق سراحهم مقابل تحرير مئات الملايين من الدولارات المتحفظ عليها نظاماً، وهو ما نجحت به بالفعل ورضخت له إدارة أوباما.. الأمر الذي شجعها بما تلاها من عملية القبض على عدد من الرعايا الأمريكان أو مزدوجي الجنسية داخل الأراضي الإيرانية، وتلفيق التهم ضدهم، والمساومة على إطلاق سراحهم، وهو ما لا يزال يجري حالياً.
رئيس كوريا الشمالية ليس أقل تهوراً من نظام الملالي.. وهو يرى ويرصد بعينه ضعف تعامل الولايات المتحدة الأميركية ووراءها المجتمع الدولي مع طهران، واستفادة الأخيرة من سياساتها المتعنتة، وتحقيقها المكاسب من خلال ذلك وفرض سيطرتها ونفوذها على أرض الواقع، رغم أن جميع الدول المحيطة بها متأذية منها، ولها مصلحة بشكل أو بآخر في تغيير هذه الحالة الإيرانية المسببة للقلاقل والأذى في المنطقة والعالم.. لذلك؛ إن أراد العالم المتحضر، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، كبح جماح كوريا الشمالية الهائجة، فعليه إرسال رسالته الواضحة إليها عبر تعامله الحاسم والحازم والفعال تجاه نظام ملالي الرجعية والظلام في إيران.
إلى اللقاء.