نجيب الخنيزي
إحياء ذكرى يوم «الأسير الفلسطيني» الذي يحتفي فيه الشعب الفلسطيني في 17 من شهر ابريل لم يكن هذا العام مجرد مناسبة وطنية فلسطينية يعبر فيها عن التضامن والدعم للمعتقلين والمحتجزين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي من خلال المهرجانات والبيانات والاعتصامات، إذ أحيا المعتقلون (أكثر من 1300 سجين) من فصائل وشرائح فلسطينية عدة هذه المناسبة من خلال اعلانهم الجماعي للإضراب عن الطعام حتى تحقيق مطالبهم الإنسانية العادلة، والتي من بينها الزيارات العائلية والعلاج الطبي المقبول وحق مواصلة التعليم وإنهاء سياسة العزل الانفرادي والاعتقال الإداري التعسفي.
كان رد الحكومة الإسرائيلية كالعادة يتسم بالعجرفة المعبر عن سياسة القوة والتسلط في رفض تلك المطالب والتهديد بإخضاع المضربين لمزيد من القيود والعقوبات الصارمة، وذلك بهدف كسر إرادة المعتقلين في مواصلة إضرابهم، وهو ما يتعارض مع القوانين والتشريعات الدولية والحقوقية.
وقد صرح وزير المخابرات والمواصلات يسرائيل كاتس أنه كان يجب الحكم على مروان البرغوثي بالإعدام بدلا من السجن المؤبد، لتنظيمه عمليات قتل خلال الانتفاضة الثانية. ويعد البرغوثي ابرز القيادات التي تقود الإضراب.
أما وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان، فقد دعا لاستلهام تجربة «تاتشر» رئيسة الحكومة البريطانية السابقة في تعاملها مع أسرى الجيش الجمهوري الأيرلندي، حينما أضربوا عن الطعام في ثمانينات القرن الفائت «رفضت تاتشر المطالب ومات عشرة من المضربين. لقد تركتهم يموتون جوعاً».
صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو علقت على الإضراب قائلة: «إن الإضراب الذي شرع فيه الأسرى الفلسطينيون في السجون «الإسرائيلية» يشكل تحدياً جدياً لـ»إسرائيل»، لما يشكله من خطر حقيقي على صورة «إسرائيل» في العالم، والتي إن انتصر هؤلاء الأسرى في هذا الإضراب ستظهر على أنها دولة لا إنسانية، وأن هؤلاء الأسرى هم ضحايا».
وفي خطوة استفزازية وقحة من يهود منظمة «الاتحاد الوطني» حيث راحوا يشوون اللحم على مقربة من الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في سجن «عوفر»،
وفي المقابل فإن الأسير والقيادي في حركة «فتح» مروان البرغوثي، أوضح الأمر من الناحية السياسية في مقال له نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، متهماً إسرائيل بـ»الفصل العنصري» و معتبراً أن المحاكم الإسرائيلية هي مجرد « تمثيلية عدالة زائفة» و»أدوات بيد الاحتلال». ومضيفا «المحاكم الإسرائيلية هي مجرد أدوات مسيّسة في يد الاحتلال الاستعماري والعسكري تهدف إلى القضاء على التطلعات الفلسطينية بالحرية والاستقلال، وليست بنظام عدالة محايد في دولة ديمقراطية يُعاقب من أدينوا بارتكاب جرائم».
وفقا للإحصائيات المعلنة لـ«هيئة شؤون الأسرى» و«مركز الإحصاء الفلسطيني» و«نادي الأسير الفلسطيني» التي أكدت أن ما يزيد عن مليون فلسطيني وفلسطينية قد دخلوا السجون والمعتقلات (24 سجناً ومركز توقيف وتحقيق) منذ احتلال فلسطين عام 1948، ومازال معتقلاً منهم ما ينوف على 6500 بينهم 56 أسيرةً (13 فتاةً قاصرةً) و313 من الأطفال والقاصرين. كما استشهد 210 من الأسرى بعد الاعتقال بسبب التعذيب والإهمال الطبي المتعمد. كما سجلت أكثر من 30500 حالة اعتقال قد شهدتها سنوات 2011 وحتى نهاية 2016. كما أن الاعتقالات اليومية قد ارتفعت وتيرتها منذ الربع الأخير من 2015 وحتى الآن، فقد بلغت حالات التوقيف والحجز والاعتقال لأكثر من 10 آلاف، رجالاً ونساءً، وكان نصيب الأطفال ما يقارب الثلث.
في مواجهة هذه السياسات القمعية العنصرية البغيضة، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10-11-1975 القرار رقم 3379 الذي ينص على أن «الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري»، وقد صوَّت لصالح القرار 73 دولة، بينما صوتت 35 دولة ضده ، وامتنعت 32 دولة عن التصويت. إلا أن اللوبي الصهيوني وبالتعاون مع حلفائه لا سيما أمريكا، استطاع إجبار الجمعية العامة وفي خطوة غير مسبوقة، على إلغاء القرار واستبداله بالقرار رقم 8646 لتاريخ 16-12-1991 وجاء قرار الإلغاء في كلمات معدودة صاغها نائب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك لورنس إيغلبرغ؛ «تُقرر الجمعية العامة للأمم المتحدة نبذ الحكم الوارد في قرارها رقم 3379».
المطالب والحقوق العادلة للشعب الفلسطيني ومن بينها مطالب وحقوق الأسرى الفلسطينيين يتطلب أولاً: استعادة وحدة وتلاحم الصف الفلسطيني حول برنامج وطني ناجز للتحرر والاستقلال، كما يستدعي تصليب الموقف العربي حول ضرورة تنفيذ عناصر المبادرة العربية للسلام وحشد التأييد لها في المحافل الدولية والهيئات والمنظمات الحقوقية، غير أن ذلك للأسف لن يتحقق في ظل الانقسام والضعف والشلل بل والانهيار للنظام العربي الرسمي.