د.ثريا العريض
أتابع باهتمام مهني تحليلي مقابلات ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الإعلامية والخاصة، منذ حضرت أول ورشة عمل شرح فيها للمشاركين أبعاد رؤية 2030. سموه, أصاب كبد الحقيقة حين أشار مؤخراً في مقابلة نشرتها وسائل الإعلام المحلية والأجنبية, إلى ضرورة اهتمام صانع القرار الجاد بجانب رضى المجتمع عن إجراءات التصحيح والقرارات العلاجية ليدعمها مرحلياً قبل اعتمادها بصورة مستدامة أو يتم تخير غيرها. نجاح العلاج يتطلب تقبل الجسد له وإن كان مؤلماً. ولكن إذا ظهرت علامات حساسية فلابد من استبدال الدواء.
الوصول إلى معادلة تضمن النمو المستدام لا يكون سهلاً في حال عدم تحمس المجتمع لدعم التغير, وبقاء ممارسات ومعتقدات عرفية تتحيز ضد تفعيل كل الطاقات أو تتشبث بالأنانية الفردية والفئوية وضعف الشعور بالانتماء.
وبلا شك توظيف طاقة الشباب, وطاقة النساء, جزء مهم في معادلة بناء المجتمع. ولكن تفعيلها يتطلب تقبل المجتمع ودعمه.. وقضية دور المرأة وحضورها جسديا ما زالت ساحة للجدال.
ما أراه مشجعاً وداعياً للتفاؤل هو أن هاتين الفئتين؛ الشباب والمرأة, بدأتا بتقبل متطلبات الدور الفاعل, وتثبت الآن قدرتها على تحمل المسؤوليات المناطة بها في الوظائف التخصصية, والإدارة العامة والعليا، مصنفة الصعوبات والتشكيك والرفض من بعض فئات المجتمع على أنها تحديات ستتغلب عليها بإصرارها على إثبات الذات خارج منطلق الإستثناء والواسطة، وتأكيد صحة النظرة التي منحتها ثقة التعيين والدعم. ومتفهمة ان معارضة بعض المجتمع لتغيير المعتاد والممارسة سببها التخوف لعدم الاعتياد وبالإمكان استيعابها بالإصرار على المستجدات بدعم القيادة لها. الحوكمة الجديدة والقضاء على الفساد ومحاسبة من يرتكبه ويتعامل بمنطلق الواسطة للأقربين والرشوة للقيام بالواجب والتلاعب في موقع الذمة والمسؤولية هي ما سيقود لمجتمع جديد يعتمد على التأهيل واحترام الكفاءة.
رب ضارة نافعة؛ فحيث أجواء الخلط المتأزم التوجه بين ما أتاحته العقود الماضية من وفرة الطفرة مادياً, وضغوط التشدد المتزمت فكرياً, أدت إلى تلكؤ المجتمع العام في تبني الوعي بدور المرأة وعملها, وتقبله فقط في مجالات محددة, كما تقبل تعليمها في تخصصات محددة لا تؤهلها إلا للتوظف بهذه المجالات, كان الجانب الإيجابي هو تنامي وعي المرأة لرغباتها وقدرتها على المشاركة بصورة أشمل في مجالات أوسع تخصصا. وليس ذلك نشازا لو كان الأمر اختياريا والتخصصات مفتوحة حسب الميول الفردية, لا بتفضيلات المجتمع تحت توجيه التشدد والانغلاق, بالإضافة إلى مشاعر الترفع والعزوف عن العمل اليدوي التي استشرت في أوصال المجتمع وجيل الشباب ناجمة عن تقبل التفاعل مع ظروف الوفرة كخصوصية دائمة وعرف مجتمعي مستدام. ولكن أوضاع الطفرة المادية, وتداعياتها التي سمحت بتدفق العمالة الوافدة وسهلت تعدد الزيجات والإنجاب, وبالتالي ارتفاع عدد المعالين- لم تستمر. في حين ان التطورات الديموغرافية زادت الوضع تعقيداً, حيث تزايدت نسبة فئة الشباب من الجنسين بين السكان حتى أصبحت تمثل تحدياً كبيراً لصانع القرار والخطط التنموية, لتزامنها مع ارتفاع معدلات البطالة وتفضيل العمالة الوافدة, وكون ما تقدمه المناهج لا يواكب احتياجات سوق العمل. ظل القطاع الحكومي العام مطالبا بتوفير وظائف, في حين لم يعد يستطيع استيعاب كل الخريجين والخريجات في وظائف إدارية كما اعتاد الجيل الأسبق من خريجي التعليم. بينما القطاع الخاص لم يتحمس لتدريب الشباب على رأس العمل أو تلبية توقعاتهم المكلفة مادياً. في ذات الوقت أشرعت تقنيات التفاعل الإلكتروني والمباشر الباب الخلفي لمعرفة تطورات العالم وراء الحدود ففرضت علينا عضوية عصر العولمة دون خيار.
واضح الآن أن استعادة التوازن الاقتصادي والوجداني والاجتماعي السلوكي أمر لابد منه حتى وهو يلقى معارضة متخوفة أو أنانية من جهات متعددة. ولن يتم إلا بتفعيل حضور المرأة وتمكينها.
أصبح لابد من مواجهة الوضع بقرارات مصيرية سيادية تعيد المسار إلى الوجهة الصحيحة.