د. محمد عبدالله العوين
توقف نقد أصحاب الرأي والخبرة عن أداء الإعلام الرسمي خلال السنتين الماضيتين لظروف خاصة، وانصرف المهتمون عن مهمة المتابعة والنقد والتقويم تاركين الإعلام الرسمي يسير كيفما اتفق حسب اجتهاد المخلصين العاملين فيه؛ على الرغم من ضغوط يواجهونها وعقبات تعترض طريق التطوير؛ إن كانت إدارية أو مالية أو عدم توفيق في اختيار بعض القيادات التي أوكلت إليها مهمات إعلامية ليس لديها عنها سابق تجربة ولم تخض الميدان إعداداً أو تقديماً أو إخراجاً.
لقد كانت أكبر عقبة أعاقت تقدم الإعلام الرسمي والنهوض به إلى التأثير القوي في المتلقين والمزاحمة على امتلاك النسبة الكبرى من المتابعين أن أوكلت مهمات إدارة أجهزة عديدة فيه إلى غير الممارسين؛ إما بدوافع علاقات شخصية أو ارتياح، ومن أسعده الحظ بالقبول يثقل بمسؤوليات عديدة ربما تصل إلى أن يدير مرفقين أو ثلاثة؛ وحتى لو كان ناجحا في جانب فإنه لن يستطيع الوفاء بحقوق وواجبات المرافق الأخرى.
ولعل من أوجب الواجبات الآن ضرورة إعادة هيكلة هيئة الإذاعة والتلفزيون، وبناء منظومة إدارية إعلامية سليمة، واستقطاب كفاءات مميزة هربت إلى مواقع إعلامية أو ثقافية أو أكاديمية داخل المملكة أو خارجها، ولعل التسرب أكبر دلالة مكشوفة على ما يعانيه الإعلام الرسمي من علل مزمنة، ربما أكثرها فداحة «سوء الإدارة» بعد أن أوكل الأمر إلى غير أهله ممن قد لا يدركون أهمية التقدير الجيد للموهوبين والتعامل الحسن مع الكفاءات الإعلامية، وهو من جملة أسباب اضطرت عدد غير قليل من أبناء الجهاز الإعلامي الرسمي إلى الهروب أو التقاعد المبكر، وتبين النقص الحاد في الكفاءات الإعلامية القادرة على إدارة دفة العمل الإعلامي في تكليف «لجنة تسيير أعمال» مرتين بإدارة العمل الإعلامي والإشراف عليه مكونة من عدد من الشخصيات من خارج المؤسسة الإعلامية الرسمية ومشاركة محدودة من داخل الجهاز الرسمي؛ مما يدل بصورة واضحة على تعمق مشكلة تسرب الكفاءات، والعجز عن استقطاب مميزين، أو المحافظة - على الأقل - على الموجودين منهم.
لقد تغير كل شيء في مؤسسة الإعلام الرسمي وضاع ما بنته الأجيال السابقة من الرواد والمبدعين وما تكون من خبرات عميقة وما اكتسب من تجارب طويلة، وحدثت فجوة هائلة بين الأجيال الإعلامية؛ فانقطع التواصل بينهم؛ بحيث نشأ جيل جديد لم ينهل من مدرسة سابقة، ولم يتعلم ممن صقلتهم التجربة وأصلح لغتهم التقويم والسؤال، فوقف الجيل الجديد وحيدا كالريشة في مهب الريح، يغامر؛ فيخطئ في الكثير ويصيب في القليل، لم يجد من يراقبه أو يقومه أو يدله على الصواب والخطأ، فقد توقفت دورات التدريب، وانقطعت عادة تبادل الخبرات الإعلامية بين المؤسسات العربية والعالمية، وحدث لدى عدد غير قليل من أبناء الجيل الجديد ما يشبه حالة الحيرة أو التيه في ظل تنافس محموم على التأثير والاستقطاب وإيصال الرسالة الإعلامية من مؤسسات مهنية ناضجة مدربة مدعومة تشتغل وفق رؤية وأهداف وتحفر عميقا في وجدان المشاهد آثارها وتوصل رسالتها بأساليب بالغة المهارة والقدرة على الإقناع.
نتحدث الآن بشفافية عن عجزنا الإعلامي في مرحلة صعبة تواجهها بلادنا على الصعد كافة؛ سياسية وفكرية واجتماعية، وكأننا لا نخوض حروبا على جبهات عسكرية مفتوحة فحسب؛ بل نخوض معها أيضا حروبا إعلامية لا تقل عن الحروب العسكرية ضراوة وألما وشعورا بالانتصار أو الانكسار لا سمح الله.
ولعل مما يطمئن النفس أن الإعلام الرديف غير الرسمي ينهض بمسؤوليات إعلامية ثقيلة؛ فيحاور ويناور ويدافع ويكشف سوءات الأعداء؛ وكأنه المكلف بهذه المهمات الوطنية الشريفة وحده؛ إلا أن تفوق الإعلام الرديف غير الرسمي في النهوض بمهمات وطنية جليلة لا يعفي أبدا من انتشال المؤسسة الإعلامية الرسمية من رقدتها الطويلة وإعادتها من جديد إلى التأثير والمنافسة وحمل رسالة الوطن السامية وتعزيز التلاحم وفتح آفاق التفاؤل والتبشير بالمستقبل المشرق بإذن الله.