د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تمكَّنت الدولة من إدارة الملف الاقتصادي النفطي، وفي القطاعات الاقتصادية الأخرى كافة، بعد فتح اقتصادها الوطني أمام الشركات العالمية وفق معايير عالمية. وبناء على هذه الإجراءات أقدمت المملكة العربية السعودية على إقامة شراكات واسعة، تم تتويجها بزيارة خادم الحرمين الشريفين إلى آسيا، وزيارة ولي ولي العهد إلى الولايات المتحدة التي أتت بعد تشكيل المملكة تحالفات عربية وإسلامية عسكرية لمواجهة تحديات الإرهاب الذي تعانيه دول الخليج، وبشكل خاص المملكة العربية السعودية، بهدف محاصرتها بمليشيات تابعة لإيران من أجل جعل المملكة بين فكَّيْ كماشة، وكذلك الإرهاب الذي يهدد المنطقة العربية، والذي اتسعت دائرته، وامتدت إلى جميع أنحاء العالم بسبب غياب حلول سياسية لأزمات المنطقة.
انتقلت السعودية في إدارة ملف النفط من التمسك بحصص الإنتاج الذي حقق أهدافه في عدم تحمل دول أوبك العبء بمفردها من دون الدول المستقلة إلى تخفيض إنتاج النفط بالتعاون مع الدول المستقلة، وعلى رأسها روسيا، بعدما نحت المملكة نحو دور استقلالي في إدارة الملف الاقتصادي بعيدًا عن الملف السياسي، ورفضها المشاركة في العقوبات المفروضة على روسيا من قِبل الولايات المتحدة وأوربا بسبب الأزمة الأوكرانية؛ ما ساهم في رفع أسعار النفط وتوجُّهها نحو الاستقرار. وسترتفع الأسعار أكثر مما هي عليه إذا ما تمكنت السعودية من إقناع الولايات المتحدة من الدخول في تلك الاتفاقية من أجل التحكم في مخزونات النفط؛ إذ يمكن أن ترتفع أسعار النفط إلى 70 دولارًا.
لذلك رأت الدولة أهمية إعادة بدلات ومكافآت موظفي الدولة وراتب الشهرين للمرابطين بعد نجاح إدارة الملف الاقتصادي من أجل مواصلة النمو الاقتصادي وتحريك الدورة الاقتصادية، ولمواجهة انكماش التضخم السلبي الذي انخفض من 4.2 في إبريل 2016 إلى سالب 0.4 في المائة. فكما للتضخم الناتج من ارتفاع الأسعار آثار كذلك للتضخم السلبي آثار اقتصادية غير متوازنة، وتراجع في النشاط الاقتصادي، وقد يصل إلى حالة الركود؛ وبالتالي تراجع كبير في أسعار السلع والخدمات نتيجة قلة الإقبال، وانخفاض عملية الشراء؛ ما يؤثر على الدورة الاقتصادية ومعدلات المخزون والإنتاج والبطالة.
ولاسيما أن الدولة تتجه نحو تحقيق رؤية المملكة 2030 والتحول الاقتصادي 2020، وهو دعم القطاع الخاص ومعالجة البطالة؛ ما يستدعي ضخ سيولة تنعش القوة الشرائية، وهو ما يساهم في ضخ استثمارات جديدة في القطاع الخاص تماشيًا مع المرحلة الجديدة من تحوُّل المملكة إلى نقطة ارتكاز في التصنيع الإقليمي والعالمي بعد توقيع عدد كبير من الاتفاقيات مع عدد كبير من الشركات التي وقَّعها خادم الحرمين الشريفين أثناء زيارته لآسيا وبقية الدول الأخرى، وهي خطوة تأتي مكملة للخطوة التي التزمت بها الحكومة من تسديد مستحقات القطاع الخاص بنحو 100 مليار ريال.
الهدف الأساسي في رؤية المملكة 2030 هو خلق بيئة استثمارية، تُسهم في رفع الثقة بالقطاع الخاص الذي من المتوقع أن يقود المرحلة القادمة، وخصوصًا بعدما حققت الحكومة نجاحات في ترشيد الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي - بحسب تصريح وزير المالية - من خلال استهداف خفض قدره 80 مليار ريال في عام 2016، ونحو 17 مليار ريال في العام الحالي، بعدما حققت إيرادات الدولة في الربع الأول من هذا العام إيرادات أفضل مما هو متوقع، ومصروفات أقل مما هو معتمد للفترة نفسها؛ إذ بلغ العجز 26 مليارًا، بينما كان المتوقع نحو 50 مليار ريال.
من أهداف رؤية المملكة تحقيق الرفاهية للمواطن والمقيم، وحرصها على الشعب. وعندما تم إيقاف البدلات والمكافآت نصت فقرة على أن تتم إعادة النظر في هذا القرار وفقًا للمستجدات، بل إن وزير المالية محمد الجدعان بشَّر بأن عام 2017 ستكون فيه بشائر، بعد أن أخذت الإصلاحات الاقتصادية تؤتي أكلها، وبدأ يتم قطف ثمارها في فترة وجيزة جدًّا من خلال الإصلاحات في برنامج التوازن المالي الذي ترافق مع جهود الحكومة في رفع كفاءة الإنفاق. وستستمر الحكومة في مواصلة الإصلاحات الاقتصادية الرامية إلى تحقيق برنامج الخصخصة الذي يقوده القطاع الخاص من أجل تقليص أعباء الحكومة، وفي الوقت نفسه زيادة الإيرادات غير النفطية.
بشرى إعادة البدلات للموظفين - وهذا أمر في غاية الأهمية - ستساعد على رفع دخل المواطنين، وتحفز الاقتصاد، وترفع كذلك حجم السيولة التي تؤدي إلى زيادة القوة الشرائية؛ الأمر الذي ينعش السوق، وسيعطيها اندفاعة وقوة وثباتًا في مختلف فروعها، وخصوصًا في قطاع التجزئة والاستهلاك ومواد البناء، إضافة إلى تنشيط التمويل وتنشيط السياحة المحلية التي تتزامن مع بناء مدن ترفيهية.