غادرنا لندن يوم الجمعة الرابع عشر من سبتمبر 1798، ووصلنا يارماوث ظهيرة السبت. ثم أبحرنا في الساعة الحادية عشرة من صباح الأحد. كنت أسأل القبطان قبل رفع المرساة، الأمر الذي لم أتوقف عنه إلى أن توقفت السفينة عند مصب نهر إلبي. فوجئت حين صعدت إلى ظهر السفينة صباح الثلاثاء في العاشرة، أننا لن نستطيع رؤية الشواطئ، رغم أننا كنا في النهر، الذي كنت أراه بحرًا ساكنًا. لكن أوه، كان النسيم لطيفًا والحركة خفيفة. حين تقدمنا باتجاه كوكسهافن، ظهرت الشواطئ منخفضة ومستوية، وفيها القليل من السكان، ويتناثر هنا وهناك بعض بيوت الفلاحين ومعالف الماشية وأكوام القش والأكواخ والطواحين. كانت بعض السفن راسية عند كوكسهافن، مكان قبيح معتم. صرفنا بعض البحارة وتقدمنا بقارب البريد إلى أعلى النهر.
رفعنا المرساة بين السادسة والسابعة، وكان القمر منعكسًا على المياه والشواطئ صخورًا واضحة، وينبعث نور من البيوت هنا وهناك. كانت هناك سفن راسية بالقرب منا. شربنا الشاي على السطح تحت ضوء القمر، واستمتعت بالعزلة والهدوء والمسرة الهادئة. كنا ما نزال نسمع رطانة مبهمة للكثير من الألسن التي تثرثر في المقصورة. أويت إلى فراشي بين العاشرة والحادية عشرة، وكانت المجموعة تلعب الورق بصمت. في الساعة الرابعة أيقظنا رفع المرساة، وحتى الساعة السابعة كنت أستلذ في نومي المتقطع بأننا نتقدم نحو هامبورغ، لكننا شعرنا بالخيبة حين عرفنا أن هناك ضبابًا كثيفًا وأننا لن نبحر حتى يتبدد. صعدت إلى السطح كان الهواء باردًا ورطبًا والسفن تتحرك والشواطئ محتجبة، وليس هنالك أمل بصفاء الجو. ورغم ذلك، ظهرت الشمس عند العاشرة ورأينا الشواطئ الخضراء كلما تقدمنا، على الضفة اليمنى كانت هناك أبراج مدببة حمراء وزرقاء وخضراء والبيوت مسقفة ومبلطة ومحاطة بأشجار صغيرة، وجزيرة خضراء جميلة ببيوت وغابات، وحين تقدمنا أصبحت الضفة اليسرى أكثر إثارة.
كانت البيوت دافئة ومريحة ومظللة بالأشجار ومصبوغة بأناقة. بلانكنيز، قرية أو بلدة تتناثر بيوتها على جوانب تلال ثلاثة، غابات كثيفة حيث تستقر المنازل وتنام في الأسفل، والبيوت نصف مختبئة ونصف ظاهرة بين الأشجار الصغيرة. تهجع القوارب العارية ذات الصواري عند السفوح الجرداء لتلال بلانكنيز، كانت البيوت تكثر كلما اقتربنا من هامبورغ، وضفاف إلبي أكثر انحدارًا، وبعض المنازل ذات طراز إنجليزي. في ألتونا نستقل قاربًا ونجدف عبر الممر الضيق لإلبي المزدحم بالسفن من كل الأمم. نزلنا قرب بوم هاوس حيث استقبلنا الحمالون، مستعدين لحمل أمتعتنا إلى أي مكان في البلدة. ذهب وليم للبحث عن مسكن لنا، وظل بقيتنا لحراسة المجموعة. كان هناك قاربان على وشك المغادرة، أحدهما يحمل بحارة من كل الأعمار. كانت هناك امرأة مسنة ترتدي قبعة زرقاء بحواف من الدانتيل الفضي العريض وتربطها أسفل ذقنها، وكانت ترتدي معطفًا باهتًا. حين كنا نقف في الشارع الذي يطل من ناحية على إلبي، كنت أمتع نفسي بالمشاهد الكثيرة وثياب الناس الذين يمرون أمامنا. كانت هناك امرأة ألمانية ترتدي قبعة كبيرة من القش، بقمة مسطحة وحواف على شكل صدفة دون زركشة، بشريط سادة حول القمة، كانت كبيرة بحجم مظلة صغيرة حرفيًا. ترتدي فتيات هامبورغ قبعات بيض بحافة متدلية عريضة مجعدة وقاسية ولسانين طويلين من الشرائط. أما نساء هانوفر فقبعاتهن مدورة تظهر الوجه كله ولها شرائط مستقيمة كثيرة.
ترتدي بائعات الفاكهة قبعات قش كبيرة على هيئة طبق مقلوب، أو مناديل بيضاء معقودة حول الرأس مثل قبعة الأسقف. كانت السترات شائعة، وغالبًا ما كانوا يرتدون معاطف صغيرة وسترات من ألوان مختلفة. في حين أن السيدات لم يكن يرتدين قبعات، وكانت ثيابهن مختلفة الطرز. كان هناك جنود يرتدون معاطف حمراء كئيبة، أما الرجال فلا يختلفون عن الرجال الإنجليز إلا قليلًا، وكانوا يضعون غلايين في أفواههم.
رأينا وليم، بعد انتظار ساعة تقريبًا، يصحبه حمالان حملا أمتعتنا على عربتين يدويتين، في شوارع مغبرة، سيئة التعبيد، متجهين جميعًا نحو النزل بعد عناء كبير وبحث طويل.
- ترجمة/ بثينة الإبراهيم