احتراف القراءة فن يجهله من يمسك الكتاب مقلوباً فلا يشعر بحروفه وكلماته ولا صفحاته؛ فتعلّم القراءة سهل يتقنه الناس جميعاً، ولكن الصبر على الاختيار الجيد وثقافة الانتقاء وكيفية تحديد الغث من السمين علم آخر لا يجيده الكثير، لذلك فكرة التأثير السلبي وتغيير المفاهيم سهلة في القراءة العشوائية حيث يكون فيها المتلقي أسيراً للجهل والإفلاس المعرفي وحين تنعدم الرؤية الثقافية ويخبو طموح التعلم يكون جواب المرء عن عدم القراءة بأن لا شيء يغري فيها ! بالأمس البعيد كان عنوان مقال للشيخ محمود محمد شاكر سنة 1948م ( لمنْ أكتب ؟ ) وهو استفهام إنكاري كناية عن عدم وجود القارئ الفطن الغائب الذي يعرف ما يقصده، وهو بذلك إنما يقصد أشخاصاً بعينهم يستوعبون قراءة ما يكتب ! فمعارض الكتب مثقلة بهموم الربح والخسارة لأنّ المستضيف يثقل كاهلهم بالضرائب وشرّة الشباب تقذف اليافعين نحو الموضة والسباق نحو المظاهر فيأتي الانتاج هزيلاً ضعيفاً غير مكتمل النمو ثم تكون القراءة مجرد إضاعة وقت دون فائدة فنية أو معنوية تُستنتج منها !
قبل فترة وجيزة دفع إليّ قريب لي رواية أحد أصدقائه، وقال لي: أعطني رأيك فيها!، ولم اقرأ سوى عشرين صفحة حتى ضجرت وتململت من الأخطاء الإملائية والنحوية وضعف الأسلوب وعيوب اللغة! فقلت له: كيف يتجرأ مثل هذا على أن يكتب للناس بهذه الركاكة ؟! وما هي إلا فترة وجيزة حتى رأيت كتابه على رفوف إحدى أشهر المكتبات (الأكثر مبيعاً !)، ومع ذلك فالحقيقة هي أن اليوم أجمل من الأمس! ولكن لا تدري ماذا تخبئ الأيام والليالي ! قد كنّا بالأمس في حيرة من تحديد من يقرأ ؟! ومن يشتري الكتاب ؟! بل ومن يتكفل بطباعة الكتب ؟! فالوعي الاجتماعي نحو ثقافة القراءة سلبي للغاية والصحوة الثمانينية بشتى صورها وقبلها لم تصنع حتى قرّاء للكتب الدينية وإنما صنعت آذاناً صاغية ليس إلا ! دون أن يشتري أو يقرأ كتاباً حتى بعد أن يطيل من اللحية ويقصّر ثوبه يظل يسمع فقط دون أن يناقش، لذلك ازدهرت تجارة الكاسيت إلا ثلة من الأولين وأصحاب البحث والدرس من الأكاديميين وغيرهم!
مكتبات المدارس فيها من الكتب النفيسة التي يعجز طالب المرحلة المتوسطة والثانوية أن يدرك كنهها مع طبعات فاخرة ومتميزة ومنقّحة ومحققة فيعلوها الغبار دون أن يكلّف نفسه أمين المكتبة أن يجلوها ولو بخرقة إلا ماشاء الله ! وما ذلك إلا من نقص الوعي ورتابة الكسل، سواء من المدرسة أو من الوزارة أو من المجتمع بشكل عام لانعدام التشجيع الحقيقي بمحدودية خجولة مع الاهمال في عدم التكرار ! ومازلنا على نفس الوتيرة مع شقلبة المكتبة إلى مصادر للتعلم وماهي إلا عرض للمادة الدراسية فقط! ومن أجل ذلك كانت دولة الإمارات من الوعي وإن كان متأخراً إلا أنها مهمة ومشروع جد متميز أن جعلت عاماً وليس يوماً يحتفل به للقراءة، وقد أتى التشجيع من أعلى مستوى في الدولة مما حدا بالكبير والصغير أن تصبح هذه التظاهرة عنده مهمة وطنية وليس اجتماعية فحسب ! وهذه رسالة قيّمة سبّاقة للمجتمعات والدول وقدوة يجب أن تُحتذى! ومع التكنولوجيا الحديثة أصبح اليوم أفضل من الأمس حتى بِتنا نخشى الموت من القراءة بحيث الإلهام قد يأتي في كثير من الوقت أثناء سياقة السيارة مع أن ما يقرأه في أحايين كثيرة عبثاً وترهات ليس إلا، وقد ذهب ضحيتها الكثير من الأرواح التي لم يتسن لها أن تأخذ وقتاً في القراءة الصحيحة !
- زياد السبيت