نادية السالمي
أثبتت الخرافة أنها العمر الذي لا يعرف الموت، وأن مُريديها في الطبقة التي نعوّل على عقولها في ازدياد. هذا ما أثبتته الخرافة، وهذا ما ترنو إليه الأقوال والأفعال على غفلة من الوعي، واستثمار للعناد، واستئثار بمنافذ الإعلام وكثرة الاتباع!.
ما هي الخرافة الفرِحة باستثمارنا:
هي اعتقاد وقر في النفس، أو فكرة تصلب قامتها على خيلات وخزعبلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على أصول علمية، تلبس ثياب الدين تارة أو الثقافة تارة أخرى كاعتقاد أنّ الإمساك بقطعة الخشب يمنع الحسد، أو نعيق الغراب إنذار بخراب الديار... إلى آخر الترهات التي لا تنتهي عجائبها ولا يتذمر من الضحك منها العقل، وآخر ما طلع على الدنيا وأطلعنا عليه العالمين من نتائج صراع التيارات في بلادنا في «معركة الموسيقى» من طرف مؤيديها أنها المعجزة التي ستغير النفوس وتنهض بالأوطان. أو من طرف محاربيها أنها مربط الفساد وسنامه وخراب النفوس الأوطان.
الحجج الواهية في حب الموسيقى وبغضها:
البعض جاوزوا الحد فادّعوا أنها الدافع لبقاء الحب وانتشاره في النفس والناس والوطن، رغم أن أكثر من فجَروا بالحب واستخدموه أداة لتدمير القلوب والبيوت سمّاعون للموسيقى والحزن في نغمات أغاني الحب على هذا شاهد، وشهيد .. هذا أولًا.
أما ثانياً: أكثر شياطين الدم كهتلر ربطته علاقة وطيدة بالموسيقى فكان حريصًا على سماعها، معجب بفن الملحن «ريتشارد فاغنر»، وحين ترك مدرسته في السادسة عشرة من عمره، كان يصرف مصروفه للذهاب للمسارح لمشاهدة الأوبرا، وهذا ما ذكره في مذكراته. وهتلر رجل غير مثقف ولا متعلم تعليمًا عاليًا لكنه تثقّف بالنشاطات الفنية والفكرية منذ صغره في فينا وميونخ، فلماذا هذا الولع بالموسيقى لم يهذب وحشية النازي هتلر فيكف أذاه عن البشرية؟!.
يا أهل هذا الخرافة لا بأس بدراسة الموسيقى في مناهجنا ولا بأس بإرسال بعثات لدراستها خارج البلاد، لا بأس بسماعها والتمايل على أنغامها _وهذه ليست فتوى بل شغف بفنها وثقافتها _ لكن وصفها بأنها الأداة السحرية للتربية والتطور، خرافة أخشى أن يتطاول عليها العمر والقرون وتتحول إلى أسطورة.
نحن العرب مغلبون اقتصاديًا وسياسيًا نعم، وهذا ما يدعونا إلى تقليد المتغلب علينا من الأمم على رأي مالك بن نبي وابن خلدون ... لكن هذه الأمم التي جيّشنا همتنا لتقليدها لا تؤمن أن للموسيقى كل هذا الدور في النفوس البشرية والأوطان، فهم لا يشيّدون بها المصانع ولا يحاربون بها العالم، ولا يستغنون بها عن تعليم المبادئ، فاستعينوا بالعقل في حربكم لا بالعبارات الكبيرة الرنانة.
أما الخوف منها وتحميلها ما لا تطيق من الذنب والظلام والسخط والتنافس على إزهاق أدواتها وتحطيمها خرافة أخرى تنهار على إثرها المجرّة، ولا أدري كيف يصدق أصحابها هذا ويعملون بمقتضاه، والموسيقى عندهم ذنب لا يودون اقترافه خوفًا من الله، في حين أنّ القروض _ عند بعضهم _ التي يأخذونها مقابل فائدة ربويّة قليلة أو كثيرة لا ينفرون منها، كما أنّ الحديث عن الناس في مجالس _ بعضهم _ بالسوء لا يدفعهم إلى مغادرة المكان والخوف من الله كخوفهم منها حين تمر على أسماعهم ولو كعابرة في الشارع أو التلفاز! فيغيب عنهم أن العلماء الذين اختلفوا على تحريمها من الأمة معهم أدلة تبيحها، فإذا لم يؤمنوا بجدوى أدلتهم فليؤمنوا بجدوى الاختلاف، وإذا لم يؤمنوا بالاختلاف فليؤمنوا بالإنصاف وإن عزّ، فهؤلاء العلماء مازالوا في دائرة الإسلام.
عدّة الخرافة:
في الناس من لا تكفيهم أربعة أشهر وعشرة أيام للتخلّص من الخرافة وملحقاتها فعليهم بالاجتهاد، فالوعي الذي لا يغسل عنا ما لقينا من هؤلاء وهؤلاء فصل من فصول الخرافة علينا تجنبه والنهوض من ظلامهم، أو النور الذي يدّعون حتى لا نعزز التهافت على الخرافة وتصبح بلادنا مع ركض القرون رهينة للأساطير.