د. سلطان سعد القحطاني
تلقت الأوساط الثقافية والأكاديمية،يوم الثلاثاء 2017/4/4، نبأ وفاة الناقد الأكاديمي الكبير،الطاهر أحمد مكي-رحمه الله- بالحزن والأسى،فقد فقدت الساحة الثقافية العربية ركناً منيعا من أركانها،بعد أن خرَّج الأجيال في دار العلوم ،جامعة القاهرة، التي تخرج فيها عام 1952، ثم ابتعث إلى إسبانيا لدراسة الأدب الأندلسي هناك، وحصل على الدكتوراة في الأدب والفلسفة من كلية الآداب بالجامعة المركزية في العاصمة الإسبانية (مدريد) ثم عاد أستاذاً في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة عام 1961، إلى أن توفاه الله، عن عمر ناهز الثالثة والتسعين، قضاها- رحمه الله- في العلم والأدب، باحثاً ومشرفاً ومترجماً ومحققاً للتراث، وترك وراءه هذه الكنوز التي قضى في تحقيقها وتأليفها زمناً ليس بالقصير متقناً ترجماته، وموثقاً بحوثه توثيقاً علمياً.
والطاهر مكي من مواليد قرية كيمان المطاعنة، من عرب المطاعنة المعروفة في محافظة الأقصر من صعيد مصر، وهي من القبائل العربية النازحة من الحجاز في الجزيرة العربية منذ زمن طويل.عرفتُ الطاهر مكي خلال زياراتي لجامعة القاهرة دار العلوم، حيث كان يرأس قسم اللغة العربية الأستاذ الدكتور كمال بشر-رحمه الله-وكان الدكتور كمال قبل ذلك يعمل معنا في جامعة الملك سعود، وهو عالم اللغويات المعروف، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ووجدت الطاهر مكي الذي كنت أسمع عنه ولم أحظ بمعرفته عن قرب، فوجدت رجلاً هادئ الطباع قليل الكلام متواضعا، ناقشنا بعض الأمور فكانت إجاباته في الصميم، بدون مقدمات ولا حواشي ولا استطرادات، وكنت قبل أيام من لقائنا قرأت عن مأساة بنات المعتمد بن عباد بعد أن انقلب عليه صديقه يوسف بن تاشفين وألقى به في السجن حتى مات،كانت تلك القضية قد اثارتني لما فيها من مأساة يُرى فيها عزيز قوم ذُل على يد مناصره في حروبه مع القشتاليين، هذا الفعل الشنيع والإهانة البالغة به وبأسرته. دار الحديث حول تلك المأساة، فوجدت الرجل يمتلك منهجاً علميا في هذه القضية لم أجده في ذلك الوقت من الباحثين في الأندلسيات الذين يعتمدون على الرومانسيات الحالمة الباكية في هزيمة العرب في الأندلس، ولم يحللوا تلك المأساة تحليلاً علمياً كما حللها الطاهر مكي رحمه الله، وكان إنتاجه العلمي الممتاز قد تأخر في الصدور عن غيره، ولم يكن ذلك التأخير عجزا بقدر ما كان يتمتع به من مراجعات علمية نتيجتها عمل متقن، وذلك لم يقلل من قيمة إنتاجه السابق، فأصدر كتابه القيم (الأدب الأندلسي من منظور إسباني 1991) و(الشعر العربي المعاصر- روائعه ومدخل لقراءته 1996) والأدب المقارن-أصوله وتطوره ومناهجه 2002، وله تحقيقات للأدب الأندلسي، منها:طوق الحمامة، المعروف لابن حزم الأندلسي، وترجم ثلاثة كتب عن الفرنسية، وعدداً آخر عن الإسبانية، وهذه الكتب نتاج المؤتمرات والأبحاث التي تقدم بها للمؤتمرات وغيرها.
ويعتبر الطاهر مكي من رواد الحركة الثقافية العلمية في البلاد العربية. وخرج عدداً كبيراً من طلبة الدراسات العليا فيها،إضافة إلى ما يتمتع به من هدوء الطبع ورصانة البحث العلمي وغير ذلك من الطباع الحسنة. وإن كان الطاهر مكي لم يتعرض للقصة والشعر، فإنه ترك القوس لباريها واتجه للإبداع في البحث والتوثيق ليحفظ التراث للأجيال القادمة.
رحم الله الطاهر مكي رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان،إنا لله وإنا إليه راجعون.