بكيت على الشباب بدمع عيني
فلم يغني البكاء ولا النحيب
فيا أسفاً أسفت على شباب
نعاه الشيب والرأس الخضيب
عريت من الشباب وكنت غضاً
كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعود يوماً
فأخبره بما فعل المشيب
أربعة أبيات لأبي العتاهية، غاب منها ثلاثة، وبقي الأخير تتداوله القرون، هل لأنه يحكي حقيقة كل إنسان يقف على عتبة الشيخوخة؛ ليسترجع ما مضى، ويبكي على ما كان؟ أم أن القدر شاء له أن يبقى؟
الشيخوخة وارتباطها بالألم والحزن بسبب التصور السائد أن العطاء والصحة يختصان بالشباب فقط، ونسينا أن الصحراء القاحلة تزهر عندما يلامسها المطر! لذلك نحن بحاجة إلى أن نعيش مع ومَن يلامس أرواحنا قبل أجسادنا؛ لنشرق بالحياة، ونغيب عنها ونحن نبتسم.
لو سنحت لك الفرصة للعودة لأعوام معينة من عمرك؛ لتعيشها بكل جمالها الماضي، هل ستوافق أم أنك سوف تواصل المسير، وتكتشف حياة أخرى تنتظرك بكل ما فيها؟
في كتاب (جسد لا يشيخ وعقل لا يحده زمن) ذكر الكاتب ديباك تشوبرا تجربة، قامت بها العالمة النفسية Ellen Langer من جامعة هارفرد عام 1979، قدمت فيها العالمة وزملاؤها برهاناً على قدرتهم على عكس مسار الشيخوخة لمجموعة من الكهول، بُنيت على وسيلة تساعد على تغيير طاقة الإدراك لديهم.
اجتمع الكهول في منتجع ريفي لمدة أسبوع وهم يعلمون مسبقاً بالتجربة التي ستجرى عليهم، وطُلب منهم أن لا يطلعوا على أي جرائد أو مجلات أو كتب صادرة بعد عام 1959، بما فيها صورهم العائلية.
رُتِّب المكان مثلما كان متعارَفاً عليه قبل عشرين عامًا، من أثاث وكتب، وحتى موسيقى، وطُلب منهم أن يتحدثوا في تلك الأمور والأحداث التي حصلت في تلك الفترة.
بعد المدة المحددة لمس الفريق تحسُّناً ملحوظاً في مجموعة الكهول من قوة الذاكرة، ودقة عملهم اليدوي، وأصبحت تصرفاتهم ونشاطاتهم مشابهة لمن هم في سن الخمسين، وليس الخامسة والسبعين.
قد تكون مثل هذه التجارب ناجحة؛ لأنه قد تم تهيئة المكان والظروف لتكون مثالية، وتحقق المرجو منها.. ولكن في ظروف حياتنا الاعتيادية هل سنجد مثل هذه الفرصة لنبطئ عجلة الزمن، ونخفف من أثره؟ هل في مقدورنا ممارسة مثل هذه التجربة، وإيقاف الزمن، والعودة لسنوات، كانت هي الأفضل لنا؟
القلب (الخضر) مثلما يقول بعض كبارنا في السن -بغض النظر عن المغزى منه - هو حقيقة الحياة المزهرة بالأمل والحب، وهو مواطن البهجة والسعادة التي عجز الكثير عن الوصول إليها.
ما بين الشاعر الشعبي بصري الوضيحي الذي قال عند الحجر الأسود:
التايه اللي جاب بصري يقنه...
جدد جروح العود والعود قاضي
وتوجُّد أبو العتاهية على شبابه... قلب!
- بدرية الشمري