حينما نتعامل مع الأيديولوجيات ينبغي أن نستحضر النظرية المعرفية الفلسفية التي تنبني عليها الأيديولوجيا قواعدها المعرفية، فالأيديولوجيا السلفية (واصطلاحي لها النصية، وأخالف اصطلاح السلفية) تبني نظريتها المعرفية على النصيّة، فهي تدور مع النص حيث دار ولا تهتم بالواقع والنظرة المقاصدية للعمل، كما أن الأيديولوجيا العرقية/القومية تبني أيديولوجيتها على النظرية العرقية القومية فتدور مع مصلحة القومية حيث دارت ولا تهتم بما يخالف قوميتها، وكذا الشمولية الماركسية تنغمس في الطبقية الثنائية فتتمركز حول البروليتاريا وتدور معهم حيث داروا، والجامع بين هذه النظريات هو (النفعية/Utilitarianism) بالمنظور الفلسفي، فكل الأيديولوجيات تهتم بالنفعية لتعميق قوتها مقابل غيرها من الأيديولوجيات، وعندما تتخذ قرارا سلوكيًا فإنها تستحضر النفعية في نظريتها، وهذا هو السبب الرئيس في مناهضة القومية العربية للغرب، ومناهضة الماركسية للرأسمالية، ومناهضة السلفية لقيادة المرأة -كمثال للحالة الفلسفية النفعية- ، فالقيادة تؤثر على الأيديولوجيا السلفية من حيث مخالفتها تنظيراتها المعرفية لذا فإنها تقف منها موقف الضد والمعاداة وترى فيها الخطورة البالغة والمهددة لكيانها المعرفي، والمقابل للمذهب النفعي هو الفلسفة (الليبرالية/Liberalism) التي تعتبرها هذه الأيديولوجيات المهدد الخطير لها، والمعنى الليبرالي هنا هو المعنى الفردي في كل نواحيه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو ما يعتبر شرا مستطيرا للنهج الأيديولوجي، ومن هذا المنطلق الفلسفي فإننا حينما ننظر لإشكال قيادة المرأة عند النهج (النصي) لا نناقشهم فيه في كونه مخالف لنصوص الشريعة بل نناقشهم في المذهب النفعي الذي ترتكن إليه الأيديولوجيا النصية، لأن النص في معرفية (النصيين) إنما هو حامي لأيديولوجيتهم، فهو قوة يستند إليها (النصيون) للحفاظ على النفعية الأيديولوجية. ولذا فإن الإشكال في قيادة المرأة هو إشكال فلسفي أكثر منه إشكال نصي، وبالخصوص حينما نعلم أنه ليس هناك نص صريح في عدم القيادة، والصريح هنا مقابل النص الظني المبني على الاجتهاد المنبثق من قواعد أصولية تخضع هي أيضًا إلى النظرية (النفعية)، بالحجة المشهورة (النفعية) حجة سد الذرائع، والسد هنا هو حائط يحجب غير النفعية النصية من دخول حدود الإنسان كفرد يخضع لذاتيته، فالسد/النفعي مقابل الذاتية. وبذا فإنك لن تستطيع القاش مع النصي في دحض المذهب النفعي الذي هو المرتكز الأساس في نبذه لقيادة المرأة للسيارة.
- صالح بن سالم
@_ssaleh_