فريتز لانغ مخرج يهودي حصل على منصب المدير العام لإستديوهات السينما في ألمانيا في بداية عهد هتلر، وبعد إبلاغ فرتز لانغ بمنصبه الجديد مديراً على السينما الألمانية قام بالهروب في نفس الليلة، هرب من منصبه ووطنه دون أن يبلغ أحداً، والسبب الحقيقي للهروب هو إنتشار الحركة النازية، و شعبية إضطهاد اليهود، ولخشيتة أن يكون ضحية يوماً ما، قرر الرحيل. رغم أنَ التاريخ أثبتَ اليوم أن بعضاً من رؤساء الحركة النازية كانوا من العرق اليهودي، قطعاً، قرر المخرج فريتز لانغ الهروب قبل أن يصبح واحداً منهم. بعدما هاجر، قضى بعض الشهور في مدن مختلفة في أوروبا حتى إستقر في باريس لمدة عامٍ واحد، ويقول المخرج الإيطالي فيلليني « عند المخرجين اليهود القدرة على الهجرة، وعلى الاستقرار في مكان جديد، والعمل من جديد، والتكيف، دون أي حنين أو حزن، ولكن بالنسبة لي لا أستطيع أن أترك روما والرحيل دون عودة».
وفي عام 1934 انتهى برحلة فريتز لانغ المطاف بالوصل إلى - هوليوود- ليكتشف بأن لديه شعبية كبيرة في أمريكا، وأن العديد من الأفلام التي صنعها في العشرينات مسجلة كأعظم الأفلام الصامتة على الإطلاق مثل «متروبالس»، و «دكتور موبوزو». فرينتز لانغ كان من رواد السينما الصامتة ومن مؤسسي المدرسة التعبيرية الألمانية التي تعتمد على الظل والإضاءة والزوايا الحادة، سرد أفلام التعبيرية الألمانية يعترض بين الواقع والحلم مما يعطي الصور حساً شبه سريالي يؤثر على المتفرج تأثيراً سيكولوجياً.
ثم بعد وصول فريتز لانغ إلى أمريكا، وبعد التكريم الكبير الذي حظي به، ولأنه مخرج متمكن من حرفته قام بنقل التعبيرية الألمانية إلى هوليوود، وقام في أفلامه الأمريكية برسم الملامح الأولى لنوع «النوار» او (أفلام النوار) ؛ حيث أصبح لهذا النوع من الأفلام شعبية كبيرة وإمتد من بداية الأربعينات لأكثر من عقدين من الزمن، وتختلف أفلام النوار في جوهرها الأمريكي الرأسمالي، فتأمركت التعبيرية، وأصبحت أفلام النوار بصورتها التعبيرية الألمانية تتكون في قصتها من ثلاثة عناصر وهي إمرأة غامصة، وسلاح ناري، وصراع بين رجلين كحد أقصى.
قبل الهجرة، قام فريتز لانغ بصناعة العديد من التحفة السينمائية الألمانية الصامتة ولكن مع نهاية العشرينات دخل الصوت إلى صناعة الافلام، بالتالي أصبحت الأفلام ناطقة، وكثير من رواد السينما الصامتة لم ينجح في مواكبة التغيير الجذري للسينماـ بإستثناء فريتز لانغ.
آخر أفلام المخرج فريتز لانغ في ألمانيا هو «إم» من عام 1931 ميلادي، وكان فيلمه الصوتي الأول.
هذا الفيلم يعتبر من أوائل الأفلام الناطقة في التاريخ، ومن أجمل الأفلام على الإطلاق، و من ناحية التقنية الجديدة -الصوت- تم استخدامه بطريقة فنية محكمة الربط بإيقاع يتناسب مع التصاعد الدرامي للقصة، أصوات من داخل إطار الصورة، وأصوات من خارجها، وحوارات بصوت مرتفع، وهمسات، ومؤثرات صوتية، مع إستخدام عبقري لصوت صَفير الشخصية الرئيسية.
تدور قصة الفيلم حول قاتل للأطفال يعيش في شوارع برلين، والفيلم يقدم سؤالا فلسفيا عميقا: هل القاتل دائماً يعي ما يفعل؟ و هل ممارسة القتل من الممكن أن تكون مرضاً؟ وهل الهوس الشديد بفعل القتل هو خيار لاتستطيع بعض النفوس مقاومته؟
الفيلم مؤلم ببراعة، وبقصة نادرة، وتم إستخدم الصوت فيه بحِرافية عالية، وهو بالتأكيد واحداً من أهم التحف السينمائية بالتاريخ، ومن أعظم أفلام اليهودي الهارب فريتز لانع.
- حسن الحجيلي