مادفعني لكتابة مقالي هذا هو شعور تعاطف للجمهور الكريم الذين ينخدعون من قبل أشخاص يدعون أنهم كتابا وأدباء، فمن خلال حضوري لملتقيات وأمسيات ثقافية أو اجتماعية لدينا، وجدت أن العامة من مختلف المجالات في مجتمعي لا يميزون الفرق بين الكاتب، وبين من يدون خواطر أو عبارات قصيرة، فهم يتوقعون أن كل من أصدر كتابا يكون كاتبا / كاتبة، ويحدث لديهم تشويشا عندما يكتشفون أن ماكتبه / كتبته ليس إلا نسخا من أفكار الآخرين مع تغيير بعض الكلمات فقط، فيربكهم ذلك، لأنهم يسمعون أن الكلمة أمانة وهنا غابت الأمانة !، ويندهشون عندما يمتدح أحد هؤلاء مفسدا، سرق حق الضعفاء والوطن، وهم يعرفون أن هناك جانب عدالة لدى الكتاب.
وقد ظهر مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي من يدعون أنهم كتاب وهم في حقيقة الأمر ليسوا إلا مدونين لخواطرهم الذاتية البسيطة، وهذا ليس عيبا، ولا خطأ ولكن الخطأ أن ينعتوا بكتاب أو أدباء، ويتم استضافتهم في ورش ليعلموا المواهب الواعدة الكتابة وكتابتهم ليست إلا كتابات مدرسية.
وأعود إلى سبب جهل العامة بماهية الكاتب والكتابة ودورها في تنمية العقول، وهو عزلة مؤسساتنا الثقافية الرسمية عن المجتمع، وأيضا بسبب البرامج التقليدية التي تقدمها تلك المؤسسات، فهي لاتقدم لقاءات مع كتاب ليحكوا عن تجربتهم في الكتابة، ومسئولية الكتابة بكل أنماطها: الأدبية، وغير التخيلية.
والعامة قد يكون منهم آباء أو أمهات أو إخوة كتاب واعدين، لذا لابد أن يعرفوا من هو الكاتب ؟ وأين يكمن تفرده ؟
عادة مايكون الكاتب متفردا منذ طفولته، عبر أسئلته، اهتماماته، أفكاره، سلوكياته، وعندما يتجاوز مرحلة الطفولة، ويبدأ نضجه، هنا تبدأ رؤيته في الظهور، فهو يملك رؤية تتجاوز حدود مدرسته /مدرستها، يخرج من فكر القطيع الجمعي، كما أنه يرفض السائد الذي لا يطور المجتمع، ويفكر بالإصلاح، يمتلك رؤية عن العالم.
يتسم الكاتب بشخصية مغامرة ومؤثرة، وأفكاره من ابتكار عقله، كما أنه يتمتع بحس الإنسانية، لديه شغف بالمعرفة، ويكتنفه الحس الجمالي، كما أن لديه أفكارا تجديدية تنويرية، ويمارس فكرة التفكير الإبداعي والناقد معا، يعرف حقوق الآخرين ويصطدم مع المجتمع لأجل ذلك.
والكاتب يملك أدواته الخاصة وهي: أفكاره، قراءاته، قناعاته، ولغته وهي التي تحمل أفكاره للآخرين.
والكاتب لديه بصيرة خاصة واستشرافية، وحواسه أكثر شفافية من الآخرين ويرى ما لا يراه الآخرون.
والكاتب فنان بطبيعته، فهو يمتلك حسا عاليا تجاه الطبيعة، والكلمات، والأشياء والصور، والوجوه، والأحداث، والأصوات، فجميع الكتاب الذين كان لهم تأثيرا في الشعوب، وساهموا في تنمية حسها الإنساني والجمالي هم فنانون بطبيعتهم، فشكسبير لم يكن فقط كاتبا مسرحيا، ومدام دي ستايل لم تكن ناقدة فقط، وغادة السمان لم تكن كاتبة فقط، واستريد ليندغرين لم تكن فقط كاتبة قصص أطفال، ومعالي الأديب د. غازي القصيبي لم يكن شاعرا فقط.
وبعد فالكاتب هو الإنسان التنويري، والفنان، والعالِم، والمعلم والشاعر، والمؤرخ، والباحث، والموسيقي، والفيلسوف، والفاتح، والحقوقي، والمناضل لأجل حياة البشر، وكائنات الله.
تركية العمري - كاتبة ومترجمة سعودية